-1-
قالت البنت لأخيها: أريد أن أستقيل، قال أخوها: وهل أنت تعملين حتى تستقيلي؟ تستقيلين من ماذا؟ قالت: من هذه التعتعات التي حشرَنَا فيها كاتبها دون استئذاننا، قال: صحيح أنه لم يستأذن أيّا منا، لكن المسألة أصبحت قديمة، وما دمنا قد رضينا أن نظهر هكذا طول هذه المدة، فهي موافقة ضمنية على الاستمرار حتى لو لم يتم اتفاق مُسبق، قالت: طول المدة لا يمنع من الاستقالة، أو دعني أتقدم لتسوية معاشي، معاش مبكر مثل الذين يتخلصون منهم وهم يتخلصون من القطاع العام؟ قال أخوها: وأنا؟ تتركيني لمن؟ قالت: للبنت الصغيرة، وللأب والأم، وللكاتب الذي اخترعك، وللقراء، قال: القراء؟ وهل يعرفنا القراء؟ ثم إن الأولى بالاستقالة أو المعاش هم الآباء والأمهات في هذه التعتعات، ألم تلاحظي أن الكاتب لا يترك فرصة للسخرية منهم إلا فعلها لحسابنا.
قالت: المصيبة الأكبر أنني اكتشفت أن القراء يستقبلون أية شابة أو فتاة أو حتى طفلة تلعب بعروستها على أنها "أنا"، وأي شاب على أنه "أنت"، يحسبون أننا أسرة واحدة، أكمل أخوها: مع أن الكاتب صنـّف شخوصه من أول كفر الزيات حتى نادي المعادي، ومن الأب الذي يعمل رقيقا في الخليج إلى الملياردير الذي يجلس في شرفة قصره في مارينا، قالت: أليس هذا مبرر كاف لطلبي الاستقالة أو المعاش المبكر؟ لقد سئمت من كل هذا الكسل العقلي الذي يتلقانا به الناس، هم يكسلون أن يميزوا بيننا، بل هم يكسلون أن يفكروا أصلا فيما نقوله أو نعيشه، قال الشاب: أليس هذا خطأ الكاتب؟ قالت: هل كنت تريده أن يظل يكتب مثل الآخرين، أو مثلما كان يكتب: يتناول قضية ما، ويقول رأيه، وهو يلعن الحكومة، فيصفق الناس، ويلعنونها معه، أو يلعنونه أنه خفف الجرعة ولم يسب ويسخط أكثر؟
قال: إنه يستعملنا ليسرب أفكاره فتأتي فينا دونه، قالت: المصيبة أنه يسرب الفكرة وعكسها، فيحتار القارئ أكثر، ثم إنه استدرجنا هكذا دون أن يعرف القراء بنا وبأقراننا، لماذا لم يعطنا أسماء محددة، ليميز الناس بين فايزة ومريم والطفلة نهى، أو بين رياض ووائل ومحمود، أو بين خالتي فتحية وأم خليل، أو بين أبو عوف وأبو محروس؟ قال: أظن أنه كان يأمل أن يُعمل الناس فكرهم بطريقة أخرى؟ قالت: وكيف يُعمل الناس فكرهم وقد اعتادوا على كل هذا الكسل العقلي حسب مناهج التعليم، وتعليمات الحكومة، وبرنامج الحزب الوطني، وتعديلات الدستور؟ قال: أعتقد أن الكاتب لم يقصد بدعوتنا إلا أن يحرك ذلك الكسل العقلي؟ قالت: هو حر، ولكنني شخصيا قد فاض بى وسوف أستقيل، قال: وأنا؟ تتركيني لمن؟ قالت: أنت أيضا حر.
-2-
قال الشاب لأخته: لقد اكتشفتُ سببا للاستمرار، لعله يقنعك، قالت: أسمعه من أجل خاطرك، ستوْحشيني. قال: لعل الكاتب يريد أن ينقل الناس من قضية "ماذا حدث للمصريين؟ ماذا حدث للمصريين" التي يفتي فيها كل من هب ودب، إلى قضية ماذا يمكن أن يحدث لهم "لنا"، "بنا"، قالت: بمن؟ قال: بنا، أنا وأنت وكل البنات والشبان، بل وبأهلنا إذا أفاقوا لما "يحدث"، وتوقفوا عن تكرار موال "ماذا حدث"، "ماذا حدث للمصريين!، قالت: اسمع، يبدو أن الكاتب قد فشل في تحقيق ما أراد، حتى النقاد لم يعتنوا بما يقول منذ شهور، قال: ربما ما يقوله لا يلفت نظرهم، أم تريدين أن تتهميهم أيضا بالكسل العقلي؟ قالت: أنا لا أتهم أحدا، لعلهم ينتظرون حتى يتبين لهم أي نوع من الكتابة هذه: مقال؟ أم قصة؟ أم نكتة؟ قال: وماذا يفيد التصنيف؟ المهم التحريك، أليست "تعتعة" تعني التحريك؟ قالت: لا أحد يتحرك، كل ما يطلبه القارئ هو أن تعيد عليه اسطوانات السخط، أو الصياح.
قال: أو السب، أو التذاكي، قالت: تذاكي يعني ماذا؟ قال: يعني ادعاء الذكاء، خاصة حين ينبري أحدهم للكتابة يحكي عما حدث له شخصيا باعتباره ما حدث لكل المصريين من رشيد إلى أبو سمبل، ومن رفح إلى السلوم، عبر ردح من الزمن. هذا الكسل العقلي في إصدار الأحكام ليس أقل رخاوة من الكسل العقلي في التلقي، قالت: صحيح، بعد التباكي والتصنيف والوقوف على الأطلال يخرج أغلبهم بسيل من الفتاوى، والتصنيف، والأحكام، والنصائح، ثم يروح يلعن الشباب: لغتهم، وأغانيهم، ورقصهم، وتدينهم، دون محاولة الاستماع أو الترجمة أو التساؤل عن: كيف هذا؟ أو لماذا؟ وإلى أين؟، قالت البنت: وتريدني أن أستمر!!؟!!
قال: لو سمحتِ، من أجل خاطري. تتركينني لمن؟
قالت: من أجل خاطرك؟ أم رأفة بالكاتب وخيبته؟
نشرت في الدستور 6-6-2007
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية.. الحياء العام والحياء الخاص!!! / عن الموت والفقد والقتل والحياة!! / تعتعة سياسية: القفز بين الماء والشجر... وسط دماء البشر!!