ليس بسبب أنه طبيب، وليس بسبب أنه مصري، وربما تدخل هذا وذاك في اهتمامي بمتابعة ما يصدر عن الدكتور أيمن الظواهري، والرجل من عائلة مصرية عريقة، واختار لنفسه طريقا يستحق النقاش والمراجعة والتأمل، والمشكلة أن العالم كله تقريبا يضغط على أعصابنا بشأن ما يسمونه الإرهاب، والخطابات السائدة تخلط الهزل بالجد، والحق بالباطل، والمعلومات الصحيحة بالانطباعات السريعة الهشة المتحيزة، والفرصة ضعيفة لنعرف ـنحن الناسـ تفاصيل أفكار وتوجهات وعمليات ما يسمى بتنظيم القاعدة!!
وربما يكون من الأفضل مناقشة ما يدلي به الرجل مباشرة، وقد ظهر في شريط جديد ليطرح مجموعة من القضايا التي تستحق النقاش فعلا، وكنت أود أن تتاح الفرصة أمامي وأمام من يهتم، لمناقشة مسائل مثل اتهامه لحماس بالبعد أو التخلي عن تطبيق شرع الله، أو دعوته للمسلمين بضرب المصالح الأمريكية حول العالم، والحق أن في خطاب الدكتور الظواهري عمقا ورصانة يفتقدها الخطاب السلفي الجهادي في عمومه، وينطوي تطويره لما يقوله ـمرة بعد الأخرىـ على قدرة جيدة في فهم المستجدات والتوازنات والمتغيرات التي تحكم العالم اليوم، ولذلك فإن الاختلاف مع يطرحه يحتاج إلى جدية وإلى عمق، وإلى جذرية، وإلى صبر ودأب لأن بنية الأفكار، وترتيب المقدمات واستنباط النتائج عنده تأتي بعد جهد وتعب لا يمكن إنكاره.
ولا أريد أن أتورط في نقاش سريع وخفيف لمسائل هي في واقعنا وديننا من الأمهات، ولكن تأملا سريعا في توجه هذا الطرح الذي أصبح منتشرا، وله أنصاره، وله أعماله، وخريطة حركته حول العالم كله، بغض النظر عن تلاعب الإعلام وتشويهه، فتلك شنشنة نعرفها من أخزم!!
أما الجهاد فهو فريضة من الله ماضية إلى يوم القيامة، ولما كتب "عبدا لسلام فرج" كتابه الأشهر "الفريضة الغائبة" فإنه كان يقصد أن الأنظمة التي تحكم الأقطار العربية والإسلامية قد تخلت عن القيام بواجبات ومقتضيات هذه الفريضة، وأنه قد آن لنا ننهض بهذا الواجب، واستعادة تلك الفريضة، وأحسب أنه بعد طريق طويل من الدماء والأشلاء والتضحيات، وربما أيضا الإنجازات والانتصارات، فإنه يحق لنا أن نسأل ونراجع:
هل الجهاد ـالذي أسقطته الأنظمة وتحاربهـ هو مهمة جماعة ما تنتدب نفسها للقيام به؟! وتستقل بتقدير خريطته وأساليبه ومواعيده، بينما الأمة كلها تدفع الثمن وتحصد النتائج؟!
كلام الظواهري فيه دعوة لعموم المسلمين أن يجاهدوا بضرب المصالح الأمريكية حول العالم، ولم تكن أمامه ولا أمامنا فرصة أن نتحاور: هل هذا هو الأسلوب الأمثل للجهاد؟!
لم يسأل أحد منا ولم يسائل القاعدة وأفرادها عن عملية هنا أو ضربة هناك، رغم أن هذه التحركات إنما تقدم نفسها بوصفها دفاعا عن كرامة أمه، وواقع أمة، ومعاناة أمة لم يسألها أحد، ولم يستشرها أحد، فكانت كقول القائل:
ويُقضَي الأمر حين تغيب"تيمٌ"
ولا يستأمرون،.... وهم شهودُ
إذا كان الجهاد هو واجب المسلمين جميعا، وهو كذلك، لذا فإن الواجب يفرض علينا جميعا أن نتناوله بالنقاش، ونحدد أولوياته وأدواته، ونزن المصالح والمفاسد، والمكاسب والأضرار في كل خطوة من خطواته، وتصبح مهمة إعادة بناء الأمة واجبا ولا يتم الواجب إلا بها!
أما إذا كان ما يجري على طريقة حرب العصابات، حيث تستقل هذه الجماعة أو تلك بالتقدير حول: كيف؟ متى؟ ماذا؟ لماذا؟ من؟ إذا كان شخص أو عدة أشخاص قد نصبوا أنفسهم وكلاء عن الأمة فيقررون عنها كيف يكون الجهاد سبيلا وتفاصيلَ، فلا داعي إذن لمخاطبة عموم الأمة، وكأنها مسئولة أو بالأحرى موجودة، أو مدعوة في هذا الشأن برمته!!
وإذا كان الوضع يجري على طريقة انتزاع الوكالة والتمثيل، والانفراد بالقرار والفعل في شأن الجهاد، فأين الفارق بين هذا، وبين من سبقوا إلى انتزاع الشرعية السياسية، أو إدارة شئون البلاد والعباد غصبا، دون أن يختارهم أحد، أو يرضي عن حكمهم إنسان عادي، بل وهم يحكمون ضد إدارة الملايين من شعوبهم المغلوبة على أمرها!!
وإذا كان الجهاد فريضة على كل مسلم بحسب الظروف والأحوال، فإن الشورى أيضا فريضة في كل أمر، فما بالنا بهكذا خطورة!!
مسألة تغييب الأمة صارت عادة ـ فيما يبدوـ رغم أن الكل يدعي وصلا بليلى، فالأنظمة تخبرنا وتعيد على أسماعنا كل يوم أنها تعمل لصالح المواطنين، وتحاول إقناعنا بأن الخصخصة، وكل خطوة اقتصادية وسياسية إنما تجري على هدى من التخطيط لمستقبل أفضل، ويجري هذا رغم وضوح أن الأموال لا تذهب للناس أو للخدمات، ولكن لفئة محدودة ومعروفة!!
والذين يحاربون أمريكا والأنظمة يقولون أنهم يفعلون ذلك لمصلحة الأمة، ولمصلحة الناس، والحقيقة أن الناس في الحالتين يدفعون الثمن، ولا يكادون يحصدون شيئا!!
من حقنا، بل من واجبنا أن نسأل الدكتور الظواهري عن مفهومة لتطبيق شرع الله ـ الذي تخلت عنه حماس!ـ وهل تطبيق الشرع في تصوره يكون بأن تحكم فئة معينة هي "الطائفة المختارة لنفسها"، أو أهل الحل والعقد، ومن يحدد أو يختار أو ينتدب هؤلاء ليحكموا؟! وهل الجهاد يمتد ليشمل المخالفين في الرأي أو الاعتقاد من بقية من يقولون عن أنفسهم أنهم مسلمين، مثل الشيعة أو حتى العلمانيين الذين قد يختلفون مع تصورات القاعدة، وقد يحاربونها، فهل يصيرون بذلك مهدري الدم؟! أم نحن أمام دائرة جديدة من يأس مطبق صار يرى استحالة أن يغير الناس ما بأنفسهم سبيلا وحيدا وأكيدا للتغيير، وبدلا من ذلك صار الطريق إلى عالم أفضل مختصرا في دعوة الأمة التي يتحدث الجميع باسمها إلى تفجير المصالح الأمريكية حول العالم، صار تغيير النفس مختصرا بإطالة اللحية، أو تغطية وجوه النساء، أو تقصير الثوب، وتكرار النصوص وإعادتها، ولو دون فهم فضلا عن التطبيق!!
وكما صار التقدم والنهضة ـبحسب البعضـ مجرد تعرية جسد أو تسريحة شعر، أو تقليعة جديدة في ملبس أو مركب؟!
سؤال أخر يطرح نفسه علينا: ما هو التغيير الذي نقصده حين نتكلم عنه؟!
اقرأ أيضًا:
على باب الله: بلادي/ على باب الله :طريق الشيطان