في إجازتي السابقة قررت الذهاب للشام في طريق عودتي للبلد الذي أعمل فيه، وحتى لا تلعب بك الظنون ويسرح بك الخيال بعيدا فزوجتي وولدي كانا برفقتي، وذلك كعادتي غالبا في أي سفر، وعندما تسمع كلمة الشام فاعرف أن معناها "دمشق"، أقدم عاصمة في التاريخ الإنساني المكتوب بكل فخر، وأنا أحب في "دمشق" أهلها، وعبق التاريخ القديم في شوارعها وحاراتها وأسواقها، وقد تكون تلك الزيارة هي السابعة لهذه المدينة القريبة لقلبي، وبفضل "أبي محمد" أقول أنني قد عرفت بعض معالم دمشق،وبعضا من طباع أهل دمشق، وتسألني من هو أبا محمد؟!، وأرد عليك أن الناس هنا في دمشق يعتزون جداً بكنيتهم؛ فتسمع أبا رشاد وأبا عبده وأبا علي وأبا عمر وهكذا.... أما السيدات فهن أم رشاد وأم خالد وأم محمد وهكذا؛ لدرجة أنني أصبحت ألخبط بين الاسم الحقيقي والكنية لأبي محمد!!.
ويميز أهل الشام الاجتهاد في أعمالهم، فهم يذهبون لأعمالهم حوالي الثامنة أو التاسعة صباحا، أو بين ذلك، وهم تجار أذكياء من الدرجة الأولى، أما الفهلوة المصري فقد تجدها لدى القليل منهم، وبالذات بين تجار سوق الحميدية، وهو سوق قديم مظلل من قديم الزمن تشم فيه روائح العطور الشرقية البديعة، ويتم فيه بيع الشرقيات مثل العبايات والمفروشات والجلود والتحف الفضية والنحاسية والزجاجية والخزفية للسياح من عرب وأجانب، أما التحف الخشبية المطعمة بالصدف فحدث عن روائع التحف الدمشقية ولا حرج!!، وعليك أن تعلم أن البيع بالمحايلة، وأحيانا بسيف الحياء، فقد تضطر لشراء شيء لا يلزمك ولا تحتاج إليه مجاملة لبائع ما!!.
أما إذا خرجت من سوق الحميدية دون أن تشتري إلا ما يلزمك فقط وما تحتاجه بالفعل فأنت بالتأكيد من المؤكدين لذاتهم وعلى ضمنتي ودون الرجوع إلى مقاييس تأكيد الذات على مجانين!!، وسأذكر لك بعض حيل البائعين في الحميدية: تجد شابا يدعوك لتغيير عملة "دولار مثلاً"، وآخر يدعوك لشرب كأس شاي أو فنجان قهوة بمحله أو معمله "أي ورشته أو مصنعه" ولا يهم أن تشتري أو لا، وثالث يسألك عما تريد شراءه وسيقول لك عندي!!، وبعد صعودك للدرج أو هبوطك منه تجده يعرض عليك شيئا آخر تماماً، وانفلق أو اشرب من البحر، والبحر بعيد عن دمشق يا صاحبي!!.
أما الإلحاح في عرض البضاعة فهو عادة بين أصحاب محلات الحميدية، أما الأسعار فأنصحك أن تسأل ثلاثة أو أربع محلات قبل شراء أي قطعة، ولا مانع أن يقول لك البائع 300 ليرة وتقول له "لا" 75 ليرة فقط، أما أن يخبرك صاحب المحل أن لديه تصفية شاملة وبتلك المناسبة فالخصومات لديه 50% فمن الفطنة والكياسة ألا تصدقه!، واذهب إلى محل غيره واسأل عن سعر تلك القطعة التي أعجبتك، وليتك تسأل خارج الحميدية أولا، مثل منطقة قريبة تسمى "الحريقة" أو سوق باب توما أو سوق الجوخ أو البزورية، وتسألني لما سموها الحريقة، لم يفتني السؤال عن ذلك، فقال لي "أبو محمد" صديقي أن هذا المكان التجاري الهام حدث فيه حريق ضخم عام 1925م والعهدة على "أبي محمد" وكان ذلك في عهد الاحتلال الفرنسي للشام.
وإلى اللقاء في حلقة قادمة.
ويتبع >>>>: الطريق إلى بيت جن(2)
واقرأ أيضاً:
بسمة بعيدا عن الذئب والذئاب / زراعة وحصاد: مشاركة