الطريق إلى بيت جن(1)
وفي سوق الحميدية تجد محل "بكداش"؛ هذا المحل الضخم القديم جداً، والبسيط في تجهيزه من الداخل، أنت تجده دائما مزدحما من الداخل والخارج، وتتخطى الطاولات بصعوبة حتى تجد لك كرسيا خاليا تجلس عليه في انتظار طبق "بوظة" بيضاء قشطة يكللها الفستق الأخضر الجميل، والبوظة لمن لا يعرفها هي "آيس كريم"، ولكن أنصحك أن تنسى أي طعم وأي شكل تذوقته أو رأيته للآيس كريم، لا تقل لي "جروبي" في القاهرة ولا "محل مكرم" ولا "محل عزة" بالإسكندرية، ثم تجد نفسك تدفع حوالي ثلاثة جنيهات لطبق البوظة!، يا بلاش يا عم بكداش!!، وعليك أن تنسى طعام الغذاء بعد ذلك؛ لأن طبق البوظة كبير بالفعل ويشعرك بالشبع لفترة طويلة، والأجمل من ذلك أنك ترى المعلم يقوم بصنع البوظة الدمشقي أمام عينيك.
الله الله، كل شيء يشعرك بالجمال في دمشق: لغة الناس ومعاملتهم وبشرتهم البيضاء وشعورهم الصفراء ونظافة الشوارع، كل ذلك رغم أنك متأكد من أن الناس يعيشون على الستر من الله، فأنت لا ترى فخامة في أزيائهم، ولكنها نظيفة وأنيقة ومتناسقة، ولا ترى سيارات فخمة مثل التي تجدها في شوارع دول الخليج مثلاً، ولكن إذا قُُدِّر لك أن تدخل بيتا من بيوت أهل دمشق متوسطي الحال، ولا أقول الأغنياء منهم فستجد منزله غاية في النظافة والترتيب والتأنق، ولا يقل عن بيت أي مهني –طبيب ،مهندس، صيدلاني، محامي كبير أو أستاذ جامعة- في مصر مثلاً.
ونعود لسوق الحميدية والذي تجد عند نهايته "المسجد الأموي"، والذي كان في الأساس معبدا وثنيا رومانيا قبل مولد سيدنا المسيح عليه السلام، وتلاحظ ذلك في فخامة الأعمدة التي تحيط بالمسجد، ويُقال أن سيدنا يحي بن زكريا عليه السلام مدفون بداخله، ولقد تحول هذا المعبد الروماني الوثني إلى كنيسة ضخمة بعد أن اعتنق الرومان المسيحية منذ القرن الثالث الميلادي، وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وبالتحديد في النصف الثاني من القرن الأول الهجري قام هذا الخليفة المحب للتعمير والبناء بمصالحة قساوسة الكنيسة المسئولين عنها، وذلك مقابل موضع آخر في دمشق أيضا بمنطقة باب شرقي يبني لهم كنيسة ضخمة فيها موجودة ويزورها العُبَّاد والسياح إلى اليوم.
ويوجد على أحد جدران الصحن الخارجي للمسجد الأموي لوحة ضخمة من الفسيفساء الدقيقة المذهبة والتي يغلب عليها اللونين الأزرق والأخضر، وهذه اللوحة الجدارية من عجائب الدنيا، وفي الجنوب الغربي من المسجد يجد الزائر ضريح البطل صلاح الدين الأيوبي، والذي خبطه بقدمه الجنرال الإنجليزي "اللنبي" -وليس الممثل صاحب الفيلم إياه– قائلا: "ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين"، وهذا دليل آخر على أن الاستعمار الفرنسي والإنجليزي من قبل، ومن بعدهما الهجمة الصهيونية على أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين هي استكمال لسلسلة الحروب الصليبية أو حروب الفرنجة على أراضي أمتنا الواحدة، والتي بدأت منذ الحملة الصليبية الأولى عام 1099 م، والتي تم فيها قتل حوالي سبعين ألف مسلم ومسيحي ويهودي شرقي ببيت المقدس في يوم احتلالها فقط!!، لدرجة أن المؤرخين ذكروا أن الدماء قد وصلت إلى ركب الجنود الصليبيين في هذا اليوم بشوارع "جورسليم" أو "القدس"؛ فتنبهوا واستفيقوا من غفلتكم يا أهل الشرق، يا أبناء الأمة الواحدة من مسلمين ومسيحيين!!.
لقد ظلت القدس تأن تحت وطأة احتلال الفرنجة لثمانية وثمانين سنة حتى حررها البطل صلاح الدين الأيوبي بعد موقعة حطين المجيدة وكان ذلك في 27 من رجب عام 1187 م، ويكفي أن نذكر أن المسجد الأقصى خلال تلك السنوات من احتلال الفرنجة كان حظيرة للخنازير والخيول!!!، وصدق الله العظيم حين يقول: "كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ" (التوبة:8).
وإلى اللقاء في حلقة قادمة.
ويتبع >>>>: الطريق إلى بيت جن (3)
واقرأ أيضاً:
بسمة بعيدا عن الذئب والذئاب / زراعة وحصاد: مشاركة