تصلني رسائله على المحمول، ولا تنقطع مكالماته، ومقابلاته!!
يحسب نفسه مظلوما، ويدرك نفسه مشتتا مترددا، ويعيش حزينا، ويشعر ضائعا، ويصبح ويمسي شائكا وشاكيا!!
ولا يكف عن الأسئلة: هل ربنا يحاسبنا على جهلنا؟!
ربنا عارف إننا جهله، وحين يبحث عن أفق انعتاق يقول: "عايز أتعلم أشرب سجائر"، وربما يكون شرب السجائر هنا مدخلا لتحقيق صورة يطمح أن يكونها، أو بحثا عن أنيس في وحشة ووحدة يستشعرها، أو تقمصا لمثال نضج أو تحرر على غرار الشائع!!
كنت قد قلت له: هناك من يتذوق ويعرف "من ذاق عرف"، وممكن يتذوق، ولكن لا يعزف، لأنه لم يدرك، ولم يتهيأ لمعرفة بناءً على ذوق!!
وممكن لا يتذوق، وبالتالي لا يعرف، وهذا مفهوم، فيرسل لي: وممكن ميتذوقشي ويعرف، دا احتمال رابع، وكان ناقصني، وكنت محتاجه!
فجأة تنفتح الحياة أمام أحدنا بعد أن يكون محدود الأفق والحركة، من البيت إلى المدرسة، ومن المدرسة للبيت، ثم الجامعة لا تضيف كثيرا.
العالم محدود، ويبدو واضحا، والقضايا محسومة، وأبيض أو أسود، بلا أطياف أو أعماق، أو تعقيدات أو تساؤلات!!
ما هي الأفكار التي تدور في رأس الشاب العربي العادي، وما هي الاهتماما
إما الانشغال بالجنس، أو محاولة الهروب من هذا الانشغال ومغالبته!!
وإما العمل السياسي بسذاجة ونقاء وإخلاص وبدائية، أو العزوف عن العمل السياسي هربا من النتائج المترتبة عليه!!
والفتاة الجامعية العربية ماذا في رأسها!!
أتحجب أم لا؟! أصاحب أولاد، بلاش؟! آخر أغنية، وآخر فيلم شبابي؟! وآخر فستان أو تسريحة شعر لفلانة أو علانه!! أو كتب ضحلة تناقش البديهيات أو العموميات، ومحاولات التماسك وسط إغراءات الانحراف، أو التورط في أفكار أو ممارسات شاذة أو غير أخلاقية، من وجهة النظر الشائعة!!
عمل سياسي بدائي، أو قراءات خفيفة الوزن، أو التفاهة!! ثم تكون صدمة الحياة لمن يخرج إليها، ويقرر أن يفهم ويتعامل، لأن البعض يظل يحبس نفسه داخل الأصداف القديمة، ودوائر تكرار البديهيات والعموميات والبدائيات، حتى لا ينفرط عقده، أو يتناثر عقله إذا دخل في تساؤلات حقيقية، أو تحديات جادة، أو أسئلة جذرية!!
وصاحبنا يسأل نفسه في مواجهة اكتشافه لمكانه ووضعه ومأزقه: "أثور ولا ما أثورشي ..أعمل إيه؟!"
والأسرة تكون هي المرشحة غالبا للاتهام الجاهز بأنها من حيث أرادت الحماية سجنت، وساهمت في إبقاء وتكريس عدم النضج، وهشاشة التكوين، وضعف المهارات النفسية، والاجتماعية أكثر!!
والشاب جاهز للإحساس بأن أسرته قد ظلمته هكذا، ويتساءل عما عساه أن يفعل بهم؟! ويكتشف أن كل الناس ليسوا طبقة وسطى، وأنه ليس كل الطبقة الوسطى مثل أسرته تحبس وهي تحمي، وتقهر وهي تحافظ، وتضيع وتتآكل وتفشل، وهي تحاول التماسك ومواجهة المتغيرات المتلاحقة بالمحافظة، والتشبث بالتقاليد، وحشد الكلام المشجع على الضبط والتحكم الخارجي، ومحاولة تجفيف منابع السؤال، أو الهروب من تحدياته بترديد المعروف والبديهي والعام دون التورط في أي اشتباك أو حوار حقيقي حول مفارقات الحياة الحقيقية!!
وصاحبنا يتساءل من فرط ما خاف، ومن فرط ما جرى تحذيره:
هو عالم الفكر كويس، ولا مش كويس؟!
ولا يدري هل ظلمه أهله هكذا أم لا، بل يتساءل: إيه معنى الظلم؟! هل ملايين الأسر التي تحاول التماسك على طريقة إغلاق النوافذ والأبواب التي تأتي منها الرياح، والتي تفرح بالبنت حين تتحجب وتتفوق في دراستها، وتنتظم في صلاتها، بينما هي فارغة العقل من أية معرفة عميقة، وصفرية التجربة والخبرة من الدراية بالبشر، والقدرة على مواجهة مصاعب الحياة!! هل هذه الأسر ظالمة لنفسها ولأبنائها؟! أم هي مجرد ضحية للجهل الشائع بأبجديات التربية؟! وضحية للخوف الشائع من متغيرات العصر وأمواجه؟! ضحية لضعف تكوينها هي بحيث تقف في وجه هذا كله بمحض التلاوة والترديد للنصوص، وحشد الشكليات والبدائيات والبديهيات، وتكرارها ظنا منها أن هذا سيعصم، أو يكفي!!!
وهل الأسرة وحدها هي المسئولة عن هذا الفشل الذي نصل إليه في صورة أجيال تائهة متخبطة بدءا من قرار الزواج وحتى تحديد الوظيفة!!
4/7/2007
اقرأ أيضًا:
على باب الله: وحدي في بيروت/ على باب الله: أساتذتي