عندما يتعرض الشخص لظلم أو اضطهاد أو ضغوط نفسية من شخص آخر فإنه –شعورياً أو لا شعورياً– يفكر في الانتقام ثأراً أو تشفياً أو إطفاءً للغضب.
الانتقام درجات وأنواع: قد يتدرج من كتم أو كظم الغيظ –إذا كان في حالة من الضعف أو عدم القدرة على الانتقام لجبروت الظالم والمعتدي– فينتقم من نفسه بكبت غضبه وابتلاع ثورته والسكوت على إهانته –ولو إلى حين- ، وقد يشتط الانتقام فيصل إلى القتل أو التنكيل بالظالم تحت شعور واعٍ أو غير واع بدافعية هذا الانتقام القاسي.
عندما تُقِبل قربان هابيل ولم يُتقبل قربان قابيل قال الأخير للأول: لأقتلنك. فهنا سبق إصرار على القتل، وفي حالات أخرى كالانتقام للعرض يكون القتل تلقائيا أو لا شعورياً عند ضبط الخيانة.
بين هاتين الدرجتين من الانتقام تتراوح درجات أخرى كحيل دفاعية للتخلص من الشعور بالظلم، كأن يوجه الابن لأبيه عبارات التعدي بصوت خافت لا يسمعه أحد لعجزه –حياًءً وسلطةً من توجيه تلك العبارات مباشرة إلى الأب- هذا انتقام سلبي، وعندما يكتب موظف شكوى كيدية باسم مستعار في رئيسه فإنه ينتقم منه انتقام العاجز الجبان.
سأحدثكم عن حسبة برما التي تنتقم فيها فلاحة بسيطة من مجموعة من المثقفين الجامعيين استقلت معهم إحدى سيارات الأجرة التي تجري بين الإسكندرية والقاهرة على الطريق الزراعي حيث تلتقط المسافرين; بين القرى والمدن على الطريق حيث تأفف (الأفندية) من منظر الفلاحة وسبت البيض الذي تحمله على رأسها وغمزوا ولمزوا إلى جهلها بالمواضيع التي يتناقشون فيها مع بعضهم عن الفن والثقافة والسياسة وغيرها، ابتلعت الفلاحة الإهانات الموجهة غمزاً ولمزاً لها وسألتهم في براءة واستعطاف أن يساعدوها في حل مشكلتها في عد البيض الذي تحمله لأنها كلما عدته مثنى تبقى بيضة واحدة وكذا عندما عدته على ثلاث وعلى أربع وعلى خمسة وعلى ستة أما على سبعة فلم يتبقى شيء، أسرع أحدهم إلى القول إنهم واحد وعشرين ردت الفلاحة ولكن عند قسمة هذا العدد على 3 لن يتبقى شيء قال آخر :27 ردت الفلاحة: ستبقى بيضتان إذا قُسّم على 5 وقال الثالث: 35 ردت على 5 لن يبقى شيء وهكذا وبالورقة والقلم – حيث لم تكن الآلات الحاسبة معروفة حتى وصلت السيارة إلى قرية برما قبل طنطا حيث نزلت الفلاحة بعد أن قالت للأفندية المثقفين: معرفتوش تحلوا الحسبة يا بهوات؟
هكذا انتقمت الفلاحة الذكية ممن سخروا منها لجهلها وأثبتت أنهم هم الجهلة، وقبل أن تفكروا أنتم في حل الحسبة التي سأخبركم بها في آخر المقال ما رأيكم في الانتقام كرد على الظلم والاعتداء؟
قام بعض علماء النفس والاجتماع بدراسة ظاهرة (الثأر) في صعيد مصر وأثبتوا أنه سلوك متأصل في وجدان أهل الصعيد لشعورهم العالي بالكرامة والشرف والاعتزاز بالنفس والذود عن النفس والمال فلا يترك ذلك للأجهزة المختصة أو لعدالة السماء بل لابد من الانتقام بيده، ويرى علماء النفس أن الانتقام كحيلة دفاعية لا بد أن يكون لا شعورياً أما إذا تم بوعي وإصرار وسبق ترصد فإن الانتقام هنا يدرج عن الحيل الدفاعية إلى إرضاء النفس بأخذ الحق بالقوة والرهبة وإشاعة الهيبة واستحواذ مكانة في المجتمع.
عندما أسرت حماس جندياً إسرائيلياً نزلت إسرائيل في الحماسيين قتلاً وهدماً وتخريبا وحصاراً وتجويعاً، ونفس الشيء فعلته إسرائيل في لبنان انتقاما من أسر حزب الله لجنديين لها إلا أن جنود حزب الله ضربوا أروع الأمثلة في دحر العدوان وتكبيد العدو خسائر فادحة أرغمته على الاعتراف بالهزيمة. هذا هو الانتقام البشع وهذا هو الرد البليغ على العدوان. مواقف مخزية أن نسمع تبريرات عن الأمن القومي والسلام عندما ِقتل الجنود المصريون على الحدود المصرية الإسرائيلية دون أي رد فعل أو حتى تفكير في الانتقام لشهدائنا باعتبار أنهم قتلوا خطأً بنيران صديقة!!! أترك لكم الحكم على هذا البرود وتلك الاستهانة بأرواح المصريين حفاظاً على كرسي وإن يكن من ذهب.
أما حل حسبة برما فهو 301 أو 602
واقرأ أيضاً:
فلنملأ هذا الكوب / مشكلة الابن الأوسط