الطريق إلى بيت جن (2)
وفي الليل وبعد أن تنتهي من الحميدية ومن زيارة المسجد الأموي وقبر صلاح الدين الأيوبي، يُصبِح من المتوقع أن تطوف بمنطقة "المرجة"، والتي تُعتَبر بالليل منطقة نصف البلد؛ حيث يمكنك التمشية والتجول فيها، وتتميز بفنادقها الكثيرة الصغيرة، وكلها أو معظمها من الدرجة الثالثة، ورغم ذلك فهي غالية الثمن؛ ويقال أن السبب في ارتفاع الإيجارات بدمشق هو نزوح الملايين من العراقيين بعد الغزو الصهيوني لها، وبأموال كثيرة لسوريا وباقي دول المنطقة مثل الأردن ولبنان ومصر وتركيا وإيران!، وأتذكر من ثلاث أو أربع سنوات كان إيجار الغرفة المعقولة لا يتجاوز 500 ليرة سورية في الليلة، ولكن هذا العام تعدى سعر الغرفة المفروشة للسكن في الليلة الواحدة 2000 ليرة سورية (حوالي 250 جنيها مصريا)، حقيقة، كان الله في عون محدودي الدخل بالشام!!.
المهم نعود "للمرجة" وجمالها بالليل حيث تجد محلات الحلويات الشامية الجميلة ومحلات الفواكه المجففة مع المكسرات، والأسعار رخيصة مهما زاد ثمنها، فثمن الكيلو من المكسرات الجيدة لا يتجاوز العشرين ريالا سعوديا أو الثلاثين جنيها مصريا، كما يوجد مقهيان قديمان متجاوران، وكذلك بعض المطاعم رخيصة الأسعار، ولا تقلق من موضوع النظافة في المطاعم فهي من الأمور التي يهتم بها الشوام جداً، فتوكل على الله وكُلْ في أرخص مطعم ولن يصيبك أي مكروه بإذن الله، ويبدو أن للنظافة في أجسامنا "جينات" محمولة على "الكروموسومات"، أظنها سائدة ونشطة لدى بعض الأجناس!!، ومتنحية وخاملة لدى أجناس أخرى!!، وأتمنى أنَّ أهلي من المصريين يقلدون إخواننا الشوام موضوع النظافة هذا؛ فلا أذكر أنني رأيت في حارة من حواري دمشق كيس قمامة مفتوح ومجتمع عليه الذباب أو الكلاب أو القطط!، ولا أذكر حتى أنني رأيت صندوقاً للقمامة مفتوحاً للذباب بدمشق!، رغم أن هذا المنظر قد تراه بالصدفة في أي حي من أحياء القاهرة أو الإسكندرية، ولا أنسى هذا العام وبالتحديد على طريق الكورنيش بالإسكندرية وبالقرب من سان استيفانو!، حيث وجدت ثلاثة صناديق قمامة، في نهر الشارع، مفتوحة وتفوح منها أبشع الروائح في وقت الصباح!!، أما في الأحياء الفقيرة بمصر فحدِّث عن القمامة والذباب ولا حرج!!.
والصبية والمراهقين في دمشق تجدهم يعملون بجد واجتهاد مع أبائهم في المحلات التجارية، وبالذات في فصل الصيف حيث العطلة الصيفية من المدارس، وبالطبع تجد هؤلاء الصبية والمراهقين مهذبين مطيعين لأهاليهم، والمجتمع الدمشقي محافظ بطبعه، وبالذات الطبقات المتوسطة من مهنيين وحرفيين وتجار وموظفين، وعلى الرغم من أن أهل الشام ينتمون إلى أكثر من ست عشرة ديانة ومذهب إلا أنهم جميعاً متعاونين ومتفاهمين، ونادرا ما ترى اثنين من الجيران مختلفين!!، بل الجميع متعايشين في ود وهدوء ومحبة، وهذا يدل على أنهم حضاريين موغلين في الحضارة وضاربين بجذورهم في أعماق التاريخ.
أما الفتيات والصبايا والسيدات فهن نتاج وامتداد للمجتمع الدمشقي المحافظ؛ فالملابس النسائية خارج المنازل لا يمكنك وصفها بأقل من كونها محترمة ومحتشمة، والزوجات من أهل الشام يتميزن في مجمل القول بالنشاط والمهارات المنزلية المتوارثة والنظافة الزائدة واحترامهن وتقديرهن لأزواجهن، مع الرعاية والتدريب والتوجيه الدائم للأبناء والبنات، وبالتالي فأنت تجد الأولاد يتصرفون كالرجال!، والبنات الصغيرات يتصرفن كالسيدات!، وبين الطبقات المحافظة بالشام تجد الفتيات يتزوجن في أعمار مبكرة، مثلا في الثانوية العامة أو في بداية الدراسة الجامعية، وأتمنى من الله أن تستمر لدى العائلات المحافظة بالشام تلك العادة الطيبة؛ حتى لا تنتشر الرذيلة بين الشبان والشابات كما انتشرت في بلاد أخرى من بلاد أمتنا، وإن كنت أظن أن هذا لن يكون سهلا في الأعوام المقبلة، للارتفاع المُبالغ فيه في أسعار الشقق سواء التمليك أو الإيجار نتيجة للارتفاع الباهظ في أسعار الأراضي مع تحديد عدد طوابق البناء في معظم مناطق دمشق!، وحتى في ريف دمشق!، هذه المشكلة بحاجة إلى حل سريع وعاجل، وهذا ممكن لتوافر مساحات كبيرة خالية من البناء –وخالية حتى من الزرع- في أطراف دمشق.
نعود إلى الطعام الشامي فهو شهي ودسم بلا منازع، ولو اعتدت عليه فستحن إلى طعمه بالتأكيد ويصبح الموضوع إدمان!!.
وإلى اللقاء في مدونة أخرى عن الشام وأهله...
ويتبع >>>>: الطريق إلى بيت جن (4)
واقرأ أيضاً:
زراعة وحصاد: مشاركة / يوميات ولاء: أحب مصر- مشاركة