منذ زمن لم أسافر ليلا، أمارس أنشطة أخرى، أنفرد فيها بنفسي، أو أسكن مناجيا من أحب، والليل سكون ومناجاة وشجن، وله سبحانه ما سكن في الليل، يراه ويعلمه، ويقترب لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورا!!
موزع بين عشقي لسكون الليل وشئونه، وجلبة النهار وصخبه ومسئولياته!!
أسير إذا الليل عسعس قائلا: يا رب ما وفيت حقك، وتغلبني مشاغلي: مكالمات المرضى ومقابلاتهم، حقوق "أولادي" ومواعيدهم، الكتابة والقراءة، والسعي في الأرض، كلمة هنا، وأخرى هناك، ومن أعبر "في" طريقهم، أو يعبر خطوهم في مسار حياتي!!
صحيح أنني متأثر بقصص من يعانون الوحدة، وأرثي لهم، ولكنني أود لو أنقطع له في ليلي ونهاري، والكناني قال لي اليوم: ما أجمل العزلة، فقلت له: صدقت، ولكن ماذا يفعل من حاجته عند الناس؟!
كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتب يومه وليلته فيكون هاديا في الصبح باكيا في جوف الليل؟!
مع الناس يومه، وليله مع خير جليس وأنيس؟!
هل دورات إدارة الوقت تعلم الناس ذلك؟!
"نعم الرجل عبد الله، لو كان يقوم الليل" لماذا قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر؟! تحديد!!
هل أراده أن يستكمل نقصا؟! أم يصقل مهارة؟! أم يستقبل عطاء؟! أم يضبط مسلكا؟!
وفي القاهرة من يبدءون يومهم قبل منتصف الليل بقليل، فلا يعيشون إلا في رحاب وسكون ورهبة قد يبددونها بصخب آخر أو ما يشاءون!!
ومن يسعده الحظ بالسير في شوارع القاهرة, الإسكندرية سيعرف الفارق بين مصر الليل، ومصر النهار!!
ومن يسير في ليل المعادي وسط الأشجار والأزهار، وأضواء المساء الباهتة وأصواته المتناثرة سيعرف لماذا ما زلت متمسكا بالإقامة فيه!!
لكنني ما زلت أحاول حل إحدى معضلات حياتي موزعا بين عشق الليل ومسئوليات النهار، متسائلا: ألا من سبيل أو حل للتوفيق بين متناقضين؟!
وحين يغلبني عشق الليل كيف أغالب إغراء الحكايات والموسيقى، أو محاولات تبديد الوحشة وأطفئ كل سراج إلا قنديل الحبيب وحده لا شريك له؟!!
هل هي معضلة أم اثنتان؟!
حين تسكن الريح، وأتربة الطرق، وغبار حركة الناس، وتهب نسمات الصيف في يوليو وأغسطس، وألمح النساء والأطفال والشبان من أهل أقطارنا العربية ينزلون من بيوتهم للسهرة، أو بالأحرى يعيشون حياة الليل في أمن وسلام فهل أحسدهم؟!
وحين تمر بي أطياف البلدين التي زرت، وأشباح القتلى الباحثين عن قبور في كل جرح عربي ينزف، وحين أمقت الصخب، وأتعود على الوحدة، وأستمتع بها، وحين يرن الهاتف يحمل صوتا شاكيا أو باكيا أو ملتاعا ثم معتذرا عن الإزعاج بسؤال أو أنين، أو يتذكرني أحدهم فيجرب رنة، هل أسعد بمملكة الليل هذه أم أنام مبكرا لأفيق على مسئوليات نهار جديد؟! أسهر أو لا أسهر، تلك هي المشكلة!!!
يوشك أغسطس أن يبدأ، وفيه أطول أجازات العام نسبيا، فهل ستكون فرصة لبعض الليالي من عمر الزمان في خير وعافية؟!
في غمرة أحداث غزة والضفة مؤخرا قابلت فتاة فلسطينية ـ لا أعرف أسمها ـ على الشات، وهي تقول أنها تقرأ لي، وكانت متوترة تكتم قلقها، أو تتعايش معه مثل كل فلسطيني أو عراقي، وربما مثل ملايين صاروا "أصدقاء" القلق!!
كنت أوشك على ترك الإنترنت عندما دخلت، قلت لها مودعا أتركك مع أنغام، أوصلتها إلى صفحة "أنغام" على موقع "طرب"، وقلت لها اسمعي أغنية عنوانها: يا طيب
أحب هذه الأغنية كثيرا، وبخاصة أنها مشتركة بين أنغام ووالدها، وقديمة بعض الشيء!!
وعندما كنت أشعر بالوحدة كثيرا ما كنت أنهي حصة الإنترنت بصفحة أنغام، ولكن كنت أستمع إلى أغنية "ألقالك حد".
هذه الأيام شعوري بالوحدة يبدده كل رنين هاتف، أو طلوع نهار وسط الناس أسعى!!
20/7/2007
اقرأ أيضًا:
على باب الله: إسلامي/ على باب الله: السم والترياق: شهر الأمة أم أمة الشهر؟!