أعجبتني مدونة الأخت ولاء شملول عن حب مصر، جزاها الله كل خير؛ لأنها حركت "الركود" الذي أشعره وأحسه من فترة على مجانين، وواضح أن اسم كاتبة المقال هو اسم على مُسمى، فلا يُعقل أن يُعادِي شخص أهله وأقاربه وجيرانه لأنهم فقراء "غلابة"!!، وليس جريمتهم أنهم دفعوا كل أنواع الضرائب حتى يتعلم في مدارس بالمجان، ويُعالج بالمجان، ثم يدرس في جامعة بالمجان أيضا، وذلك بعد أن حصل على درجة الدكتوراه في تخصصه بالمجان كذلك (وهذا في الزمن الذي تعلمت فيه)!، أما أن يسافر أو يبقى في مصر فهذا أمر فيه كلام ومناقشات، كما قالت صاحبة المدونة، فليس من العقل أن أقول لمجدي يعقوب الجراح المصري العالمي الشهير أرجع واعمل بمعهد القلب بإمبابة من أجل مصر؟!، لأن الكل يعلم أن جراحة القلب في مصر ليست مثل نظيرتها بانجلترا، والفريق الطبي والإداري الذي يعمل مع مجدي يعقوب في بريطانيا والإمكانات المتاحة له لن تتوافر له في مصر بأي حال من الأحوال في ظل ظروفنا الحالية!؛
وهذا الكلام ينطبق على الأساتذة الدكاترة من أمثال زويل والبرادعي وذهني وغيرهم الكثير من الطيور المهاجرة للخارج، ولكنني متأكد أنهم بأجسادهم فقط خارج مصر أما قلوبهم فقد تركوها في مصر!!، ولكنني لم أسمع من أو عن أحد منهم أنه يلعن أو يسب "أمه مصر!!"، معظمهم قد ينتقدون الحكومة أو القيادة أو بعض السياسات المصرية، ولكن أن يسب منهم أحد "غلابة" وسواد أهل مصر فهذا أمر سخيف ومؤلم وغير محتمل في حق هذا الشعب الطيب المطحون الصابر المثابر المضحي المتحمل!، والغريب أن من يسبون مصر من المصريين غالباً ما نلاحظ على سلوكياتهم مآخذ مخزية؛ وأظن أن ذلك نوعا من الإسقاط يمارسونه دون أن يدروا، فمن يرى قبح نفسه وسواد قلبه ولوثة فكره يرمي الآخرين بالقبح تبرئة لنفسه، وكما قيل: "كن جميلا ترى الوجود جميلا".
المصريون كبشر وكشعب هم ذهب من عيار 24 ، ولكن المشكلة هي: أين الصانع؟!، وأين الصائغ؟!، الذي ينقي ويسبك ثم يشكل هذا الذهب؟!، وهذا الكلام قاله وأدركه القادة الذين غيروا مسار تاريخ مصر والعالم من أمثال مينا وزوسر وخوفو وخفرع وأحمس وأمنحتب وسنوسرت وسيدنا موسى عليه السلام وتحتمس الثالث والإسكندر الأكبر، وسيدنا المسيح عليه السلام وأمه السيدة العذراء، وسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، وصلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس ومحمد علي باشا، هؤلاء جميعا عرفوا أصالة المعدن المصري فاستطاعوا أن يجعلوا من المصريين أصحاب أعظم حضارة تاريخية قائمة آثارها إلى اليوم سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهؤلاء هم بعض من القادة العظام الذين أضافوا للمصريين وأحسنوا إلى هذا الشعب فلم ينسهم وخلد ذكرهم.
والمعروف عن الذهب أنه لا يصدأ، ولا يتأثر بالأحماض ولا بالقلويات، ولا يذيبه إلا الماء الملكي، الذي هو مزيج من جزء واحد من حمض النيتريك المركَّز، وثلاثة أجزاء من حمض الهيدروكلوريك المركَّز. وينتج من التفاعل الكيميائي لهذين الحمضين، كلوريد النيتروسيل (nocl)، وغاز الكلور ـ وهما عاملان مؤكسدان قويان، ولكن إذابة الذهب والبلاتين تتم لوجود عاملي الأكسدة بالإضافة إلى الفائض من حمض الهيدروكلوريك، وكذلك الذهب عيار 24 شديد المرونة وقابل للطرق والسحب لدرجة أنك تستطيع أن تصنع منه خيطا رفيعا كخيط العنكبوت، وما أُضيف الذهب إلى أي معدن آخر أو إلى حجر كريم إلا وأعلى وأغلى من قيمته، وأرى أن الشعب المصري يشارك الذهب في الكثير من تلك الصفات، فلقد كانت أرضه مقبرة للغزاة، وكم من محاولة لتغييره أو تحويله من الغازي أو المحتل ولكنه دائما ما يُذيب خصمه فيه، ثم يأخذ من الخصم ما يعجبه ويروقه ويناسبه فقط ثم يترك لخصمه باقي صفاته والتي غالبا ما تنتهي إما بموت الخصم وضياع هويته أو أن ينسحب الخصم من مصر راجعا القهقرى لوطنه مهزوما مخذولا، أما عن تحمل خطوب الدهر بثبات وصبر من طرق وسحب وكوارث وفواجع فلن تجد أكثر من المصريين صبرا وتحملا، وبعد كل هذه الكوارث والمصائب تجد الروح المصرية كما هي مرحة ساخرة وفي نفس الوقت شاكرة وحامدة لأنعم الله وفضله.
وأكتب هذه المدونة وكلمات هتلر تطن في أذني: "أحتاج تخطيطا إنجليزيا وسلاحا ألمانيا وجيشا مصريا لأغزو العالم بأسره"، هذه هي مصر، التي عاش على أرضها الكثير من الأنبياء، وكرمها الله بالذكر في كتبه المقدسة، وجعل الله عز وجل نيلها من أنهار الجنة، ونحن من نبت أرض مصر، فإن أخرجت تلك الأرض الطيبة هالوكا (هو نبات طفيلي يتغذى على ما تمتصه جذور نبات الفول من التربة) متطفلا أحيانا فهذا لا يضيرها، ولا يُنقِص من قدرها، ولا يُقلل من شأنها، بل يُعد ذلك من خصوبتها وكرم عناصرها، ولن يكون مصير الهالوك أبداً إلا النزع أو الحرق من أصحاب الأرض الكرام!!..
ويتبع >>>>>: يوميات ولاء باكره مصر مشاركة1
واقرأ أيضاً:
زراعة وحصاد: مشاركة / الطريق إلى بيت جن (4)