ترددت داخلي سنواتٍ من كياني النفسي حين سمعت "الأرض بتتكلم عربي.... الأرض.... الأرض" بصوت سيد مكاوي –رحمه الله- في أحد برامج الجزيرة، ولم أتمكن من تبيان الكلمات الأخرى في المقطع الذي أوردوا تسجيلا صوتيا له فقط تبينت: "الأرض بتتكلم عربي ـقول الله"، هذه أغنية لم أسمعها ربما منذ عقد أو يزيد بعدما كانت يوميا مرة على الأقل خلال طفولتي وربما جزءًا طويلا من المراهقة "الأرض بتتكلم عربي!"
تمنيت وقتها أن تكون عندي نسخة إليكترونية من هذه الأغنية .... وبعد أسبوع ربما من ذلك تذكرت ومعي ابننا محمد عوف –ادعُوا الله له بالتوفيق والرزق الوفير في سفره- ..... تذكرت أن أطلبها منه فمد أصابعه على لوحة المفاتيح وأنزلها من النت إلى جهازي وأخذت منها نسخة على الفلاشة وضعتها على كل جهاز أقعد عليه ربما خلال اليوم العادي بالنسبة لي، ....... ما علينا وجلست أسمع وأتذكر وأعيش ..... يا ترى هل ما تزال الأغنية تذاع في إذاعة صوت العرب أو غيرها؟ بأي وجهٍ يا ترى؟
يا ترى كيف يمكن أن يعيها أبناؤنا ومعظمهم يتعلمون بلغة أجنبية ... يا ترى يمكن أن يصدقوا أن الأرض تتكلم عربي؟ ...... والأعمق من هذا أن صاحب الكلمات الشاعر المصري فؤاد حداد مسيحي الديانة إسلامي الثقافة حتى عبر عن ثقافته تلك أفضل من كثيرين غيره، وأنك حين تقرأ القصيدة كاملة تستشعر كم أنت أمام شاعرٍ عملاق وطيد الصلة بأهله وناسه!
زمان كنت أتخذ موقفا ضد شعر العامية، ولذلك ربما لم أقرأ لفؤاد حداد، ولكنه أذهلني كثيرا، وعلى كلٍ بقيت أحاول فك كلمات الأغنية وبالكاد خمنت بعضها، ......... إلى أن قابلت ابنتي الشاعرة هدى الصاوي على النت وأرسلت لها الأغنية طالبا منها سماعها وبيان ردة فعلها معها -وهدى أصغر مني بعقدين من الزمان-، وسألتها ليتك تتعرفين على الكلمات وتكتبينها فما كان منها إلا أن "جوجلتها" وأرسلت لي القصيدة كاملة والجزء المغنى .... وأذهلني فؤاد حداد .... وأبكتني ذكريات الأرض التي كنا نسمعها تتكلم عربي!
الشاعر فؤاد حدَّاد
1- الأرض بتتكلم عربي وقول الله أن الفجر لمن صلاه ما تطولش معاك الآه الأرض بتتكلم عربي 2- الأرض بتتكلم عربي ومن حطين رد على قدس فلسطيـن أصلك ميه وأصلك طين الأرض بتتكلم عربــي | 3- الأرض بتتكلم عربي بوجد وشوق الفرع اللي يهم لفــــوق لاجـل الجـدر يشم الضـوء الأرض بتتكلم عربـــــي 4- الأرض بتتكلم عربي ولا ترتاح واصـل كالسيــل المجتـاح فتحـك يا عبـد الفتــــاح الأرض بتتكــلم عــربـي |
المطرب سيد مكّاوي
ما الذي تغير فأصبحت الأرض تتكلم لغات أخرى ليس من بينها العربية فتتكلم بالإنجليزية أكيد، بالصينية جدا جدا.. وباليابانية ممكن لكن بصدقٍ أنا أتساءل في ماذا غير ما هو وثيق الصلة بالقرآن الكريم وعلومه تلزم اللغة العربية؟ إننا بالفعل نعيش زمانا مختلفا تماما ولا أدري ماذا ستعني هذه الأغنية عند الأجيال التي أعقبت حقبة الانبطاح الاقتصادي والعسكري التي تعيشها الأمة الممحوة عاجلا أو آجلا؟؟ هل لها معنى أكثر من أنها كوميديا؟ ماذا تقولين يا هدى ؟ ما هو رأيك يا ابنتي وما رأي السادة المجانين؟؟؟
ووصلنا رد ابنتنا هدى الصاوي كالتالي:
(أذكر أنك كنت تحذرني قديمًا من أن يجذبني تعلم العامية التي لم أكن أتقنها إلى أن أكتبها شعرًا.. وبقيت أخافه، إلى أن جربته يومًا ما.. بعد أن قرأت لأصدقائي.. ولم أتعد ذلك.. هذه الأغنية بالذات.. لا أعرف.. لم أشعر بشيء.. قرأت كلماتها كثيرًا فلم يصلني إحساس الشعر.. كانت المرة الأولى التي أقرأ لهذا الشاعر بلا شك.. لذلك لا يمكنني أن أحكم إلا على ما قرأت.. لم أجد فيها شيئًا من روح الشعر أو فنه.. حتى عندما غُنِيَتْ بعض المقاطع.. شعرت بغربة تجاه لهجة المغني وصوته.. الكثير من الكلمات لم تكن واضحة في الأغنية أيضًا.. لم أكن لأجازف بسماعها عدة مرات.. تذكرت قصيدة الشاعر الكبير فاروق جويدة "بغداد لا تتألمي" وكيف بكيت وأنا أقرأها، ثم أسمعها في الأوبريت.. قصائد أخرى أيضًا أشعر أنها أوصلت المعنى، مؤخرًا قصيدة "غميضة في قانا" للشاعر الأستاذ عبد الرحمن يوسف، والتي أخرجت بطريقة الفيديو كليب وكانت مؤثرة بحق.. القصيدة التي تشعرك أنك بطلها وتلمس ألمك.. والكثير الكثير من الأغنيات..
أما إن كان الحديث عن العروبة كمعنى واسع.. فأظنني -وكثيرون مثلي- لم نخرج من دائرة الوطن/ الألم.. وطني الذي لم أعش فيه أبدًا، وألم كل وطن يتألم أبناؤه.. أما قضية العروبة فأظن التفكير فيها بالنسبة لي
-الآن على الأقل- نوعا من الترف.. ربما..).
وما زال إذن رأي السادة أصدقاء مجانين لمن لم يسمع الأغنية أو يود سماعها أن يأخدها من هنا على مجانين الأرض بتتكلم عربي وقول الله.
واقرأ أيضًا:
قلت: أحتاج من يقرأ: فشاركوني / أبو الموسوسين العرب