توجهنا إلى محطة القطار الرئيسية لمدينة نيويورك كي نذهب إلي منطقة غابات تسمي بركشيرز حيث يقيم صديقنا "مايك فارمر"، ومايك هذا قصته مثيرة فقد عمل خمسة عشر عاما بإحدى المؤسسات المالية الأمريكية المشهورة ثم قرر أن يترك وظيفته المرموقة ليعمل مدرسا للتربية الاجتماعية بولاية ماساشوتتس ويرمم منزلا قديما يرجع إلى القرن الثامن عشر وسط الغابات، يؤجر غرفه في الصيف لسائحين أمريكيين يعشقون الأوبرا والفنون حيث تعتبر تلك المنطقة واحة لتلك الفنون في فصل الصيف، بينما تغطيها الثلوج أربعة أشهر في السنة.
وبين نزلاء فندقه وأصدقائه، تعرفنا على نماذج متنوعة من البشر. هارب رسام الأغلفة لأشهر المجلات الأمريكية من مجلات البيسبول والسياسة والاقتصاد إلى مجلة بلاي بوي وعندما عرف أني ناشطة في مجال الحريات، أعطاني كتابه الصغير الذي يحوي رسوماته الشخصية فوجدت بينها صورا لمآسي اللبنانيين والعراقيين عبر ما يراه في نشرات الأخبار وما يرد من صور في الجرائد. كما قابلت كاتبة لقصص الأطفال وموسيقي شهير سابق وزوجان يعلنان عن أنهما من الهيبيز ولم أكن أعلم أن تلك الحركات مازالت موجودة فقد تصورت أنها انقرضت مثل الشيوعيين.
وفي بيتهما وجدت نوعا من الأثاث الصادم حيث يقع وسط غابة حقيقية بأشجارها السامقة التي لا يستطيع نظرك أن يخترقها إلى السماء. وكان أطرف ما زرته هو "يوموما" وهو متحف أقامه زوجان بمنزلهما حيث حولا غرفة الرياضة إلى قاعة للفنون الحقيرة والاسم عبارة عن اختصار لعبارة "متحفكم للفنون الحقيرة" your" museum for mediocre art" حيث يجمعان لوحات وتماثيل لا يدفعان فيها أكثر من خمسة دولارات. وفي منتصف القاعة ماكينة الرياضة ومرآة ويبتسم صاحبها قائلا "هنا تخسر وزنا وتكتسب ثقافة". وقد اقتبسا الاسم من "موما" متحف الفن الحديث بمدينة نيويورك التي تبعد ساعتان بالقطار عن "يو موما".
فوجدت لوحة لامرأة حولاء وتكوين فني به ملصقات دعائية مثيرة للسخرية وتجميع لعملات تسخر من جورج بوش وما حدث من تزوير في ولاية فلوريدا أثناء الانتخابات الرئاسية التي أعلن فيها عن فوز "آل جور" ثم تغيرت النتائج عن طريق إعادة الفرز بولاية فلوريدا. باقة من الأعمال الفنية لا يمكن وصفها جميعا بالحقارة مقارنة بما أشاهده من فنون ببعض البيوت المصرية وحتى داخل قاعات العرض.
وقد وعدتهم بأن أهدي "يوموما" أعمالا مميزة في زيارتي القادمة. ولم يخل اللقاء مع مايك من مناقشة وتقييم لتجربة "أطفال الديمقراطية" التي كان هو المبتكر والداعم الأول لها ومن أفكار لجعل التجربة القادمة أكثر قوة وفاعلية.
وقد وجدنا أناسا محبين لمصر والديمقراطية داعمين للفكرة ومستعدين لاقتطاع جزء من وقتهم وجهدهم لاستمراريتها. وفي نهاية زيارتنا لمايك سألته كيف تتصور حياتك المهنية الثالثة فأجابني: ربما تعليم الأطفال في صعيد مصر وقد اختار لحلمه مدينة "الأقصر" التي يعشقها عشقا خاصا.
اقرأ أيضاً:
عندما تتحد الملامح وتختلف الثقافة/ لماذا لا تبيعون الصحف القومية؟