الرنين المغناطيسي هو آخر صيحة في تشخيص بعض الأعراض والأمراض، والمظاهر التي لا تظهر في الأشعّات العادية أو بالكمبيوتر. خيل لي أنه يمكن –قياسا- أن نتصور اختبارا يقيس تنويعات الأحزاب، ومشروعاتها، القائمة والواعدة، بما أسميته "الرنين السياسي". أنهيتُ تعتعة الأسبوع الماضي كالتالي: "لكنني... أنتظر ولادة قادمة لحملٍ غامض بحزب حقيقي يتشكل في رحم الشعب المصري برغم كل الجاري"، لعبة الخيال هذه أكدت لي أنه قد تبين –بالرنين السياسي- أن في رحم الشعب علامات وإشارات وظلال تشير إلى حمل (أو أكثر) ينبغي تحديد طبيعته وصدقه ومساره، كانت تفاصيل نتائج الفحص كما يلي:
أولا: أحزاب الحمل الكاذب: هذا نوع تنتفخ فيه البطن باضطراد وتنقطع الدورة الشهرية، وتمضي الشهور وأحيانا السنين، ثم يتبين الوهم والفراغ داخله باختبار الزمن في انتظار مخاض لا يأتي أبدا. أحزاب القمة رسميا (إن صح التعبير) وعلى رأسها الحزب الوطني، هي من هذا النوع بعد أن أعلن اختبار الزمن، وتكرار إجهاض محاولات التغيير، أنه ليس هناك جنين أصلا، هي أحزاب لم تنشأ من تلقيح وعي الشعب بجهاد وقيادة زعيم أو مجموعة نشأت من عمق نبض الناس، لتقودهم إلى الأفضل.
ثانياً: أحزاب الحمل خارج الرحم: وتشمل الأحزاب التي أجيزت، من لجنة الأحزاب، بأوراق قدِّمت وأسماء أدرجت، وبرامج أعلنت.... الخ، لكنها لا تمثل وعيا عاما، بقدر ما تمثل ضجرا طافحا، أو انتهازية ذكية، أو انتفاضة أفراد آملين، أو إعلان فقر دم سياسي مزمن، وقد أجيزت لمجرد أنها نجحت أن تعدل فقرة هنا، أو تعبيرا هناك وكأنها تضيف جديدا. إجازة هذه الأحزاب تتناسب طرديا مع حذق صياغة البرنامج كلاما على الورق، ولا علاقة لها بنبض الناس أو الوعي العام الغالب.
ثالثاً: أحزاب حمل الأنابيب: هي أحزاب تحت التفكير (وليست تحت التأسيس)، يُحسن أصحابها النقد والتفكير والتنظير السياسي، هي تتجلى في الإعلام أحيانا، وفي الكتب أحيانا، وفي الصالونات الثقافية كثيرا، ويمكن أن ينشأ منها تجمعات تحمل كل المقومات النظرية لأي مشروع حزب، لكنها ليست لها حضور حقيقي في رحم الشارع/الناس القادر على احتوائها حتى تتم الولادة بالسلامة، هم جماعات متحمسة على الورق، وفي مناقشات الندوات، لكنها عاجزة عن تلقيح وعي عامة الناس بحيث يتحوطون حوله ليكون حملا ناجحا، وولادة جديدة، فيضطر أصحابها لمواصلة محاولات التلقيح الصناعي في الأنابيب الخارجية (الصالونات الخاصة، والندوات، والكتابة مثل هذه الكتابة التي أمارسها حالا) بلا فاعلية حقيقية قادرة على التغيير. (هل حركة كفاية منها أم أنها تجاوزت ذلك إلى الشارع؟ لست متأكدا من رد سليم).
أحزاب الحمل غير الشرعي: رصَدَ الجهاز أن ثم حمل طبيعي موجود، برغم أنه غير شرعي بمقاييس السلطة والقانون، لكن الشكوك في نسبته إلى أهله ثارت أيضا لتدعي أنه غير شرعي بمعنى آخر غير المعنى السلطوي الغبي، فالإشاعات تسري أن الطفل الناتج منه، برغم سلامة الجنين، عمره قصير، لأنه تم الحمل فيه نتيجة غياب الأب الشرعي والأم الأنسب، باعتبار أن الأب الشرعي لأي حزب قادر على التغيير والتطور إلى أعلى فعلا هو الحوار الحقيقي، وأن أمه هي الحرية الممارسة على أرض الواقع بلا وصاية من سلطة رسمية، أو سلفية، أو جامدة. فعدم الشرعية هنا لها وجهان وجهاز الرنين أعلم.
أحزاب الحمل بتوائم غير متماثلة أفاد جهاز الرنين السياسي، بالإضافة، أن ثمة علامات تشير إلى أن بويضات كثيرة يجرى تلقيحها في السر أو في العلن، تَعِدُ بمشاريع أحزاب سياسية تتخلق في رحم الشعب المصري، ليست كلها إيجابية، لكنها تتخلق بالرغم من عدم أحقيتها باسم حزب، ومن ذلك: حزب المحجبات، وحزب الشباب الجائع إلى وطن والذي ظهر في كأس الأمم الأفريقية، وحزب الموالد الشعبية، وحزب المدارس الأجنبية، وحزب المدن السياحية، وحزب الهجرة الهاربة، وأحزاب الإنترنت الهزلية والجادة.
صفـَّـر جهاز الرنين يعلن احتمال الخطأ بتسمية هذه التجمعات أحزابا، لكن تبعت هذه الصفارة صفارة أخرى تشير إلى أنه خطأ يمكن أن تـُثبت الأجهزة الأحدث –بمرور الزمن- أنه ليس خطأ تماما. من يدري.
برغم شطح الخيال هكذا، فقد أكد لي أن رحم شعبنا قد أصبح قادرا على احتواء عدد من الأجنة قد تتمخض عن مواليد أصحاء مهما تأخر المخاض.
نعم، سوف تتألف جماعات، وسوف يتصاعد العدل، وسوف يتكاتف القضاة، وسوف يتجمع العمال، وسوف يظهر منا من لا يكتفي بالنوايا، "إذ يأبى نبض الناسْ، أن يسكن في تابوتِ الحُكْم الميت".
(رحم الله صلاح عبد الصبور)
نشرت في الدستور
22- 3 - 2006
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: كرامة الناس.. وكرامة الحكومة! / تعتعة سياسية: اختبار الأحزاب بالرنين السياسي / تعتعة الكبار بأغاني العيال