هل قرأتم مثلي هذه الواقعة التي كان أبطالها محمد "5 سنوات"، و"شهد" 3 سنوات"؟
أما المكان فقد كان وسط زحام موقف سيارات أبو النمرس في الجيزة، حيث وقف محمد رمضان ممسكا بشقيقته الصغيرة «شهد» وقد سيطر عليهما إحساس الخوف والرعب، وأخذا يلتفتان يمينا ويسارا لمدة ساعة كاملة بحثا عن أمهما، وتذكر محمد تعليماتها جيدا: «أمسك يد أختك وانتظر هنا وسأذهب إلى خالتك وأعود بسرعة».
وكلما مر الوقت ازداد هو تمسكا بأخته واحتضنها أكثر وازداد خوفهما في الوقت نفسه، حتى انتبه بعض رواد الموقف إلى وضع الطفلين الغريب واقتربوا منهما ليعرفوا حكايتهما.
بعبارات متقطعة ووجه بريء راح «محمد» يحكي قصته: «ماما قالت لي ما تتحركش إنت وأختك، من هنا وإحنا سمعنا كلامها لأننا لازم نسمع كلام ماما، بس هي سابتنا وما رجعتش تاني، كل ده علشان بابا ضربها وقالها حاسيح دمك وطردنا من العزبة».
لم يجد رواد الموقف حلا سوى الاتصال بالشرطة التي اصطحبت محمد وشهد إلى القسم، وهناك أحضروا لهما الطعام، لكن خوفهما الشديد منعهما من تناوله، وداخل القسم انتظر الطفلان كثيرا حتى تم نقلهما إلى دار رعاية أيتام خاصة، ورغم اندماجهما مع غيرهما من الأطفال فإنهما لم يشعرا بالراحة، فهما يبحثان عن أمهما، حتى إذا كانت هي لا تبحث عنهما، وبدموعه قال محمد: «أرجوكي يا أمي عودي إلينا أنت وأبي وخدينا في حضنك، ولو زعلانة من بابا علشان بيضربك ويضربنا تعالي عيشي معانا في الدار».
القصة حقيقية، مصرية، "محمد رمضان" أي قصة مسلمة أيضاً.. القصة مؤلمة مفجعة.. ماما تعشش وبابا "طبيعي" بيطفش كما يقول المثل، ولكن ماما هذه المرة لم تعشش وإنما طفشت وطفّشت هي الأخرى!
تطور أمومي مذهل.. فبرغم ظلم الزوج "الأب" الذي نطق به الصغير ببراءة لا تكذب فإننا نستطيع أن نفهم ونصدق وجود هكذا صورة قاتمة، ولكن ما لا أستطيع استيعابه أبداً هو أن تترك الأم التي تشعر بكم هائل من الظلم والقهر والمرارة أولادها في عرض الطريق هكذا.
هل هو تطور أمومي أم مجتمعي أم كلاهما معاً؟ لم يعد هناك "كبير" تستطيع المرأة اللجوء إليه عند تفاقم المشكلات الزوجية بهذا الشكل الفاضح "يضربها ويطردها هي والأولاد".. بقت سايبه يعني!
ليس لها مورد رزق "إرث أو عمل" على ما يبدو فلهذا تركت الصغار –افتراض اقتصادي– ربما.. بل أكيد، ولكن هل يعتبر هذا كله مبرراً لترك الصغار؟! ما مصير محمد وشهد؟ وما ذنبهما؟
هل يتحولا إلى أطفال شوارع إن آجلا أو عاجلاً؟ وهل كانا بالأصل شيئاً غير ذلك في ظل هذا التفكك والعراك؟
أين الأم وما مصيرها و"إزاي جالها قلب تعمل كده"؟
إلى أين يسير بنا التفكك الأسري؟ ومن يؤهل الرجال والنساء لأن يكونوا زوجات وأزواج.. آباء وأمهات بحق وحقيق؟!
تساؤلات لا تجد إجابة.. حكايات من مجتمعنا المصري أقرب إلى الخيال أو إلى أفلام يوسف شاهين منها إلى الواقع.. لكنه واقع ملتبس،مخيف، متخبط، صادم.
ح أسيح دمك.. ح أكسر دماغك.. ح أجيب خبرك.. وتهديدات أخرى على شاكلة ح أطحنك، ح أفرمك ولا بأس أيضاً من ح أعجنك.. وكأن الأزواج لا يذكرون من مصطلحات المطبخ إلا ما يشكل من الزوجة طبخة هايلة يلتهمها بألف هنا وشفا!
منظومة الإرهاب الزوجي البغيضة من ألفاظ وشتائم وركلات وصفعات وسجحات.. و..و.. إلخ هو ما يتربى عليه محمد وشهد وغيرهم الكثير، الكثير.. ثم نتساءل من أين يأتي أولاد الشوارع وقد أصبحت بيوتنا.. شوارع!
اقرأ أيضاً:
دكتوراه عاشقة الورد! / أم كلثوم ولا نانسي.. هوه الخلع لعبة؟!