أحبُّ أن أشارككم برسالة كريمة قد خطت حروفها يد فتاة مسلمة بعنوان "تساؤلات مسلمات مقهورات"، قد شجّت جراح ورم خطير في جسد حضارتنا. كنت قد استأذنتها بنقل نصّ الرسالة، لما لها من أهمية و ترابط مع الإجابة التي كتبتها، والتي آمل أن تكون ذات نفع وقدر من الواقعيّة.
نصّ الرسالة:
{أعجبني كثيرا من ردودك وتعليقاتك على بعض المدونات في موقع مجانين، واستثارني مقال كتبته إحدى الأخوات تظهر فيه حيرتها من نظرة الإسلام للمرأة والحق يقال هي ليست وحدها، فليس هناك أحد يجيب جوابا (يبل الريق) أو يشفي الغليل وتجد كثيرا من الناس يتجادلون في هذا الموضوع بالذات أعرف أني أعيش في بلد كل شيء فيها حراما وعيبا، ودائما أختي تتفكّه بقولها إذا خالف الشرع العرف فإتباع العرف أولى أعرف أيضا أن هناك خلافا بين السنة والشيعة وأنا سنية والحق أني لا أنتمي لمذهب ولا لطائفة سوى أني أريد الحق الصحيح الذي اختل في هذا الزمان، ويهمني أن أعرف أن الله مولاي ونصيري مهما تلاطمت الأمواج وأظلم الليل.
أخي أحمد؛
تحدث الناس وأطالوا في حقوق الأزواج والزوجات ولم يذكر أحدا حقوق البنات على الوالدين والإخوة، وأي من حقوقها تُقهر هي على التنازل عنه، ولدي بعض التساؤلات التي تؤلمني كخنجر في خاصرتي، فلو وجدت لي جوابا شافيا عنها وهي كالآتي:
هل يحق للأب أو الأخ أن يفرض أسلوبه الديني على ابنته؟
هل يفرض على البنت العيش مع الأب أو الأخ في نفس البيت؟
هل يحق للأب أو الأخ أو الولي أن يمنعها من السفر سواء كان ذلك للدراسة أو الحج أو العمرة أو النزهة؟
هل تعتبر البنت مرتكبة لحرام إذا سافرت رغما عن الولي إذا لم يرغبوا هم في السفر معها...؟
متى يحق للبنت أن تتمرد على الأهل، ومن النصير؟ ما هو رأي الشرع في تمرد البنت على الأهل؟
إذا لم يقبل الأب أو الولي تزويج ابنته من رجل تختاره هي وتصر عليه، كيف السبيل شرعا، حسب ما يجري الآن في سلك القضاء السعودي؟
جرائم الشرف، والعذرية ما هي الحدود؟
هناك كثير من العلم مغيب لا نسمعه ولا نقرؤه ولا أحد يتحدث فيه لماذا؟
ما هي حدود سلطة الوالدين والذكور في العائلة وهل كلهم أولياء أمرها.
إذا لم تتزوج هل ترغم على مشاركتهم البيت ومتى وكيف تستقل؟
أختك أسمى الحولي}
أختي الكريمة أسمى:
شكرا لمتابعتك المخلصة لقلمي، إذ يسرني وجود قرّاء من طرازكِ النبيل. وقد طرحتِ سؤالا عن نظرة الإسلام للمرأة وسبب عدم قدرة الكثيرين على الإجابة، والحقيقة فإن الإسلام بحد ذاته قد أجاب على الأسئلة وحدد مكانة المرأة ودورها بالمجتمع الإسلامي يبدو أن العادات الاجتماعية والموروثات القبليّة المتراكمة في دور الانحطاط الحضاري العربي، منذ سقوط بغداد حتى آخر سنة من السيطرة العثمانية على المنطقة. خلال هذه الفترة شهدت حضارتنا تراجعا كبيرا بالميدان الإنساني، العمراني، الصناعي، التجاري، العلمي والمنطقي. إذ استطاعت التقاليد المحلية الشبه بدائية أن تصهر الدين في بوتقتها، وتصنع منه متراسا قويا بوجه أي تغيير مهما كان ضروريا أو دينيا أو منطقيا.
ومن هذا الجسر، يمكننا أن نصل لمفاهيم مثيرة تبرر الشحناء الطائفية في عهدنا الحالي، أو المفهوم العام للطائفة و سلطات الشرائح الاجتماعية والأفراد والحكومات. لذا، وبعد نظرة سريعة لمفردات تعثرنا الحضاري بالقرون الخمس الأخيرة، لم يعد عصيّا من أن نفهم سبب الاضطراب الأسري والاجتماعي والسياسي الذي نعيشه. رغم هذا ألمح تفكيرك الجميل المنطقي بشأن الطائفية، إذ أرى بوارق خير في الأفق، وأن الأمطار ستهطل يوما على مدننا المغلفة بالملح والصدأ، لتلتمع جدرانها من جديد وليتنفس إنساننا الصعداء كَرَّةً جَديدة. وعليه، فأنتِ بحاجة لتذكر هذا الواقع في خطوة مني ومنكِ لفهم واقعكِ.
وللإجابة على أسئلتك أختي الكريمة، فإنني سأعيد كتابة كلّ سؤال وآلية بالإجابة كي نقسّم الموضوع لنقاط يسهل ربطها.
السؤال الأول:
(هل يحق للأب أن يفرض أسلوبه الديني على ابنته؟)
برأيي المتواضع، من حق الأب أن يمرر دينه وأسلوبه الديني على أطفاله بنينا وبناتا، لكن أن نستخدم مصطلح "فرض" فإن هذا يعني أن هناك نوعا من الجبريّة بالموضوع، وهو أمر على الوالد الكريم أن يعيه لأنه لا يعطي نتائج حسنة على المستوى البعيد. لكن، إن كان للأب الحق; بتمرير أو فرض ما يريده من الأساليب الدينية على الطفل، فإن الطفل سيشب عن الطوق ويغدو إنسانا واعيا مدركا لواقعه، وبالتالي فإن ثقافته ومنطقيته وضميره من سيحدد مصيره الديني، سواء بالبقاء على ذات الأسلوب أو التمسك بما هو أكثر تعقلا ومنطقية ووسطيّة فيما لو كان الأسلوب السابق متطرفا ومتحجّرا. أي بكلمة أُخرى، لكِ الحق الآن بأن تختاري الأسلوب أو المدرسة الفكرية الإسلامية الأمثل لتفكيركِ، ولكِ الحق بالتمسك بالإسلام وحده، بلا مذهبيات أو تعصبات.
لكن، اسمحي لي بأن أستغل الفرصة هنا، لأبيّن إشكالية مهمة فيما يتعلق بتمسكنا الديني الجماعي. ذلك أننا عادة ما نولد منتمين لمذاهب إسلامية معينة (سواء من مذاهب الشيعة أو السنّة أو المعتزلة وغيرهم) وننفذ بما يلي من الالتزام بالفتاوي والآراء الدينية لكل مذهب. أعتقد أن الانتماء للطائفة أيا كانت يندرج ضمن نوعين هما:
أ-الانتماء التقليدي:
وهو الانتماء الذي ينفذ فيه المرء ما يُقال له، بلا أدنى تفكير أو قناعة منطقية. عادة ما يكون المنتسب لطائفته وفق هذا النوع متعصبا، رافضا لكل من يخالفه وناظرا بريبة أو بتكفير أو دموية لمن يخالفه. وهو فوق ذا وذاك لا يلتفت للمنطق ولا للعقل، إذ يعتبر الدين نقلا لا غير، وتنفيذا لما قد حصل قبلا، وأن العالم بلا مشاكل معاصرة وأنه يحمل الحقيقة كلّ الحقيقة ولا شيء سواها.
وحقيقةً، إن كان الأسلوب الديني الممرّر للطفل على هذه الشاكلة، فإنه من الأفضل أن نجد روادعً اجتماعية تأخذ بيد الطفل حين بلوغه كي يجد الحقيقة، وهذا أفضل ما يمكننا فعله إذ لا يمكن أن نحدد قوانينا للتربية الدينية داخل كل منزل إذ أننا نؤمن أن للناس حرياتهم أيضا.
ب-الانتماء الثقافي:
عادة ما يكون المنتمين للطائفة غير متعصبين ولا ناكرين لصلاحية الغير فكرا وأسلوبا، ويكون انتمائهم للطائفة على أساس فقهي بسيط يتمحور حول إتباع المدرسة الفقهية لتلك الطائفة، إلا أنه لا يبخس حق غيره بالإفتاء أو الاجتهاد ولا يعتبر إتباع إمام أو مرجع من غير طائفته حراما. وأمثلة كهذه هو الفقه الأزهري الذي أعتبر التعبد بأي مذهب من مذاهب المسلمين المتعارفة، ويذكر من هذا مبادرة شيخ الأزهر سليم البشري لإعادة تعريف المسلمين بهذا الخط عندما اعتبر المذهب الشيعي الإمامي مذهبا مساويا للمذاهب السنية الأربعة، وذلك وفق مراسلات شهيرة بينه وبين المرجع الإمامي عبد الحسين شرف الدين العاملي، جمعت بكتاب اسمه "المراجعات" الذي يعد من أجمل الكتب الشاهدة على مرحلة من التفاهم الإسلامي الحقيقي. برغم أن العالمان الجليلان لم يوفقا بالاقتناع بكل براهينهما، إلا أن الخلاصة المهمة قد حصدت واستنبطت واستطعمت، لأن المذهبان فتحا أذرعهما لتقبل الآخر وبتلك الفترة شهدت دولنا نهضة التحرر من الغيبوبة الفكرية، لأن المراسلة قد وجدت بعام 1329 هجرية أي ما يقارب الستة والتسعون سنة.
وعلى أية حال، لا عيب بالانتماء الفقهي لطائفة، بل العيب كلّ العيب بمن يتعصب لطائفته دون سواها. نقطة هيَ وجدت أن أبينها على هامش سؤالكِ.
السؤال الثاني:
(هل يفرض على البنت العيش مع الأب أو الأخ في نفس البيت؟)
أعتقد أن الإسلام اعتبر الرجل والمرأة متساويان بالثواب والعقاب، وهي مساواة قانونية دستورية شاملة، وبالتالي فإن هناك شروط تحدد قدرة الإنسان على الاستقلال سواء أكان ذكرا أو أنثى. وقد تتراوح هذه الشروط من منطقة لغيرها، إلا أن مرتكزاتها ثابتة وآليتها مفهومة. من هذه المرتكزات هي:
أ-البلوغ.
ب-العقل.
ت-الرشد.
وهذا الأمر يتراوح من بلد لآخر، فمثلا بكتاب "شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للمحقق الحلي" (أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن) فإنه يعتبر المرأة مساوية للرجل بقدرها ومكانتها وقرارها، وقد ألحق حق الزواج بالمرأة معتبرا رأي الولي وكالة تسقط فور تمام شروط الرأي عند المرأة، ويحدد شروطا لهذا قد أتناولها بشكل سريع في محطة ثانية من الأسئلة. وقد أزيد عليها أنا عدة شروط ثانوية أراها ضرورية.
لكن، لماذا الرغبة بالإنفراد الحياتي الذي لا أشجعه؟ أتعتقدين أن مشاكلنا تحل غالبا بالاعتزال؟ لا أظن، لأن المطلوب هو نوع من المواجهة وليس الهرب، ولذا فمن الأفضل أن تجدي نوعا من التعايش إن وجد، وإن كنتِ قادرة على الاستقلال بذاتك فيما لو وجدت فيك الشروط.
السؤال الثالث:
(هل يحق للأب والأخ منع البنت من السفر لأسباب الدراسة أو الحج أو النزهة؟)
من جديد، بحال بلوغ المرأة لشروط الاستقلال فإنها تكون سيدة ذاتها وقرارها، ولكن يحق للأب أو الأخ التدخل السلمي فيما لو كان السفر مضرا بسلامة المرأة. لا أعتقد أن نزهتك ستكون في العاشرة ليلا ولذا فإنني أعتقد أنك تتحدثين عن ما هو معقول، وبالتالي ليس لهم الحق بمنعك. أيضا، أسلوب المواجهة لا ينفع هنا لأنك بحاجة لتوطيد علاقة سياسية وأسرية ناجحة مع أسرتك، تكسبك تأييدهم وتكسبينهم الاطمئنان. ولكسبهم، يمكنك مساعدة إخوتك بمشاكلهم، طبخ شيء مميز، الحوار الجاد معهم، محاولة تفهمهم، إشعارهم بأنك إنسانة واعية تماما.
ويتبع >>>>>: تساؤلات من مسلمات مقهورات (2)
*اقرأ أيضاً:
وضع شبابي أن تكون شابا عام 2005 / رأي بشأن حلاقة الشوارب