منذ ما يقرب من عشرة أعوام سألت الرئيس مبارك في لقاء مع مذيعي نشرات الأخبار بالتلفزيون المصري الرسمي ومقدمي برنامج صباح الخير يا مصر "متى تخصخصون الإعلام المصري يا سيادة الرئيس؟" فأجاب بسؤال آخر "ماذا تقصدين بالإعلام؟" فأجبت بلا تردد "الإذاعة والتلفزيون يا ريس" فسألني ماذا يعمل زوجك؟ وكانت إجابتي "أستاذ جامعي يا ريس" فأبدي استغرابه وفهمت من رد فعله أنه تصور مطلبي يرجع لكون زوجي رجل أعمال يريد أن يفتح محطة تلفزيونية.
وله العذر في أن يفكر على هذا النحو فقد قامت مذيعة مشهورة قبلي لتطرح مشكلات أصحاب المطاحن والتي يملك زوجها إحداها. فرد علي بحسم "مش في عهدي واستطرد قائلا: عايزين المتطرفين يسيطروا على الإعلام ويقعدوكي في البيت؟".
في مثل هذه اللقاءات التي تجمع عددا كبيرا من الإعلاميين ويديرها السيد صفوت الشريف حيث كان وقتها وزيرا للإعلام بحنكته المعروفة لا مجال للأخد والعطاء. جاء سؤالي وقتها منطقيا حيث بدأ الرئيس حديثه معنا بنقده للإعلاميين المصريين ومقارنته الإعلام المصري مع غيره من الفضائيات وعلى وجه التحديد اللبنانية.
كان طرحي منطلقا من أن المنافسة الشريفة هي الطريق إلى التميز وفرز الغث كما أن معايشتي للأموال الطائلة المهدورة حتى يومنا هذا على تطوير الأجهزة والمباني وتسفير القيادات صاحبة الحظوة وناقلة الشاردة والواردة لشرائها من الخارج في صفقات مشبوهة ومعروفة داخل المبنى بالتفاصيل دون تحقيقات ودون الدخول لأصل الداء ألا وهو غياب المفهوم الصحفي الحر داخل الإعلام المصري.
وأتذكر كيف كنت أتألم لحال المشاهد المصري وقت كانت هناك البقية المتبقية من هؤلاء المشاهدين قبل انتشار الفضائيات في كل قرية ونجع وعلى أسطح العشوائيات ونحن نقرأ له أربع عشرة صفحة عن اجتماع مجلس الوزراء والاكتشافات البترولية تسبقها استقبالات السيد الرئيس وتليها إنجازات السادة الوزراء ولا أنسى الأيام التي تلت تعرض الرئيس لحادث اغتيال فاشل في أديس أبابا حيث كنت مشرفة على الإصابة بفوبيا الأماكن المغلقة لأن نشرة الأخبار التي كانت تمتد لثلاث ساعات تقتصر على المؤتمرات الحزبية المبايعة للرئيس مبارك.
وتحت ضغوط غياب المصداقية وما يشكله ذلك من مخاطر على الأمن القومي المصري تم جلب بعض الأساتذة الجامعيين والخبراء الاستراتيجيين لتقديم بعض البرامج السياسية. وصدقنا كإعلاميين شعارات التطوير وطلع نقبنا على شونة أو كنا سذجا. وما زالت الأيام تثبت فشل الإعلام الحكومي وخروجه من دائرة المنافسة إضافة إلى خسائره الفادحة المسحوبة من جيوب المصريين بينما هي لا تخدم سوى رجال الدولة والأعمال والحكام.
أما آن الأوان للمطالبة بربط الإصلاح الديمقراطي بخصخصة الصحف القومية وكفاية عليهم الوطني اليوم يطبلون ويزمرون فيه على حسابهم ولكن على أن تكون صفقات البيع شفافة حتى لا نفاجأ بأحمد عز وأعوانه ملاكا لها برخص التراب. لتعود الأهرام والأخبار والجمهورية وروزا صحفا بجد أما من يريد أن يجامل فليجامل على حسابه ومن نفسه شتيمة فليسب من جيبه وليس من أموال الشعب المصري.
اقرأ أيضاً:
بين موما ويو موما ساعتان بالقطار/ دولة الأمن والمحتسبين الجدد