بعد شهور من الهدوء المختنق تقرر الدولة تحريك الماء الراكد فتنطلق الشائعات عن صحة الرئيس وتنهال الضربات على الصحافة المستقلة لنشرها أخبارا بعد انتشار الشائعة. فينطلق أعضاء الحزب الوطني في رفع قضايا على رؤساء تحرير الصحف المستقلة وتتم إحالة رئيس تحرير جريدة الدستور إلى نيابة أمن الدولة. فيحاوره محمد فيصل رئيس النيابة سبع ساعات ليحصل على مصدره حول تشخيص مرض الرئيس وتتوالى القضايا.
لنتوه في الفرعيات بينما نترك الأصل ألا وهو معرفة مصدر الشائعة والذين يمكن أن نصل إليهم إذا ما أعلنت البورصة المصرية عمن استفاد مباشرة من تلك الشائعة فمن باعوا أسهما هم من صدقوا الشائعة فهم لم يطلقوها أما من اشتروا أسهما فهم من يعلمون أنها شائعة وبالتالي هم المستفيدون من إطلاقها وهم من يجب محاسبتهم وليس الصحفيون الذين نشروا عنها بعد انتشارها.
لكن إيه في البلد دي يمكن التعامل معه بالعقل فالقضية من أساسها جزء من أسلوب شائع ومكرر تبدي وقت التعديلات الدستورية بلخفنتنا في تفاصيل لا حصر لها وكذلك عند دعوة القضاة للإسراع باستصدار قانون استقلال السلطة القضائية فنفاجأ بتحويل الرأي العام إلى محاكمة للقاضيين مكي وبسطويسي. وفي كل ما نتابعه في الآونة الأخيرة إجراءات هدفها كتم الأصوات والعقول عن المطالبة بأي حقوق تضع مصر على طريق الإصلاح الديمقراطي من خلال السيطرة الأمنية التي تصل إلى حد الإرهاب فتجد مثلا عند عقد أول جلسة لمحاكمة إبراهيم عيسي بمجمع الجلاء للمحاكم شارع الجلاء مدروزا بعربات الأمن المركزي وقياداته وعساكره وفرق كاراتيهه وكميات من اللاسلكي في الأيادي وضباط بالزي المدني يبثون الرعب في نفوس المواطنين وكأن الذي تجري محاكمته إرهابيا عتيدا تقف وراءه مافيا مسلحة وإلا ما فائدة هذه الصورة الفضيحة وهذا الحشد الأمني الكاريكاتوري لدرجة أنهم كانوا يشدون المواطنين المارين في الشارع صدفة أو لقضاء حاجة.
وقد عدت إلى بيتي محملة بالإحساس بالذنب على ذلك المواطن الذي سألته عن باب المحكمة فشده الضباط وأنا أسير وسط صيحاتهم وكل أملي الدخول إلى مبنى المحكمة كصحفية قررت فقط أن تتضامن بالحضور حرصا على حرية الصحافة التي لا أريد أن أتخيل مصير بلدي إذا سجنت أصواتها الحرة فكيف ستكون حياتنا. بصراحة ما يتوالى من قضايا الحسبة وآخر ما تابعته هو القضية المرفوعة على جريدة الوفد لنشرها أخبارا عن اعتصام عمال غزل المحلة بدعوى تشجيع العمال على الاستمرار في اعتصامهم. معنى ذلك أن نشر الخبر أصبح جريمة وذلك تطور خطير.
أما عن الدور المتزايد للأمن في ترويع الناشطين فقد تبدى بجلاء بعد تعرضي للحصار الأمني منذ أيام بست سيارات أمن وسد الطريق بميكروباصين إضافة إلى الموتوسيكلات بمدينة المحلة. كل هذه الهلمة على سيارة بها ثلاثة نساء ومحامي وخمس صواني بسبوسة كل جريمتهم أنهم قرروا أن يعلنوا تضامنهم الرمزي مع عمال غزل المحلة الذين لم يطالبوا بأكثر من حقوقهم وبأسلوب سلمي بإعداد وجبة إفطار للعمال الصائمين وبسبوسة.
ثم يقف الضابط بمنتهى الثقة ليخبرنا بأنه لو لم نتوجه معه للقسم فسيتهمنا بتعطيل سير المرور فأصور بكاميرا الفيديو السيارة الميكروباص التابعة لهم والتي سدت علينا الطريق وأنا لا أدري هل أبكي أم أضحك على تلك المهزلة العبثية. لكن مصر كم بها من مهازل فنكتشف أن القضايا المرفوعة على إبراهيم عيسى ليست فقط واحدة بل ثمانية كأن واحدة فقط لا تكفي وتتأجل المحاكمة بناء على طلب هيئة الدفاع للاطلاع فيصدر قرار المحكمة بإجراء الجلسة القادمة بالتجمع الخامس لستر هذا الحشد الأمني بالصحراء فأظل أردد أغنية روبي "ليه بيداري كده ولا هو داري كده ولا هو داري".
اقرأ أيضاً:
لماذا لا تبيعون الصحف القومية؟/ استشهاديو البلح قبل مدفع الإفطار