اعترافاتي الشخصية: استشهاديو البلح قبل مدفع الإفطار
رمضان شهر البر والخير والإحسان وشعب مصر مليء بالطاقة والإنسانية يحتاج لأن يوفي جوانب مختلفة لكي يرضى عن ذاته. ليس كافيا أن تعمل وتكسب قوتك ولا يكفي أيضا أن تربي أولادك وترعاهم وتكفيهم شر العوز والحاجة. فطاقة الإنسان أكبر من ذلك بكثير ولكن الله لم يهبنا جميعا القدرة على الخلق والابتكار التي هي جزء من صفات الله الذي أنعم بها على قلة من عباده أما الباقون فوهبهم الطاقة الميكانيكية والتنفيذية. وهم الذين ينهارون في مجتمعات وأيام كالتي نعيشها في هذا البلد الفاسد.
ما لزوم كل هذه المقدمة المكررة؟ بالطبع لها لزوم أولا أنفث عن بعض الغضب من حالة الإحباط التي يوقعنا فيها حكامنا باستئسادهم بكل الخيرات و ثانيا كي أحدثكم إن لم تكونوا بتتعزموا كتير في رمضان أو إذا لم تكونوا تملكون مثلي سيارة والله لا أقصد المعايرة بل أشارككم ظاهرة ملفتة انتشرت بقوة بكل شوارع القاهرة بأحيائها الشعبية والشيك. إنهم بشر وكأنهم يتدربون على حرب شوارع يستبسلون ويرمون بأنفسهم أمام قائدي السيارات المجانين الذين يحولون شوارع القاهرة إلى مدينة ملاهي كبيرة، وكل عذرهم محاولة اللحاق بمائدة الإفطار العامرة ولكني أشاهدهم كمواطنين انتحاريين يريدون لقاء ربهم في هذا الشهر الكريم. لكنهم عندما ينتهون من زحام الطرق الرئيسية يظهر لهم هؤلاء الاستشهاديين وفي أيديهم بلحات مغلفة في كيس نايلون.
في البداية تعاملت مع الظاهرة كمبادرة فردية لكني اليوم متأكدة أن ورائها فكرة. وعلى مستوى أقل من الفكرة، زوجي يبرطم وأنا أستفزه بهدوئي المتأمل لهؤلاء المقاتلين البواسل المهددين لسلامتنا وسلامتهم أحيانا، منهم الشباب وكذلك العواجيز، بينهم ملتحين وبدون. وفي يوم بحي المعادي عند مفترق طرق تمكن شيخ عجوز بشوش من الوصول إلى شباكنا فبادرنا ببلحاته المكيسة فمددت بيدي رغم أنف زوجي الذي يتميز كباحث أكاديمي بالتركيز على هدفه دون التشتت بالتفاصيل وهذا عكسي على طول الخط.
المهم باغت شيخنا بإعطائه بلحة مغلفة بالشيكولاته كان قد أهداني إياها البائع بمحل الحلويات الشرقية التي اشتريناها لمضيفينا فابتسم لي وقبلها بسعادة انتقلت إلي. فسرت لمحة من المودة وبعدها انطلقنا. لكن يظل السؤال يخبط في رأسي. مادام هذا الشعب مستعدا للتضحية بحياته لإعطائك البلحات السبعة. لماذا لا يثور على المظالم. ربما هو يحتاج إلى من يمهد له الطريق ويمده ببلحات الخير.
بذمتكم العيب في مين؟ في شعبنا وإلا في حكومته التي تعطل طاقته، اللي قاطعه عنه مية ونور، لا بترحم ولا بتسيب رحمة ربنا. وانطلقت الشائعات حول أن الإخوان وراء تلك الظاهرة (وكأن الخير هم مصدره الوحيد أو أن الأرض تمهد لهم عن عمد) وبكرة كل واحد ماسك بلحة سيعامل كماسك جمرة ومش بعيد يلموا الناس في الشوارع بتهمة توزيع البلح. إذا كان المشروع فعلا من بنات أفكار الإخوان فالأجدى لمن لا يرحب بهم أن ينافسهم بأفكار أكثر ابتكارا واستغلالا لطاقات الناس المعطلة دون يافطة أو رغبة في فرقعة أو مكسب سريع.
اقرأ أيضاً:
دولة الأمن والمحتسبين الجدد / الإسلام دين المساجين