كنا نتجول بالكاميرا في قلب مدينة أتلانتا بولاية جورجيا.الجو مقلق وليس خطيرا لا أدري لماذا. ربما لأنك عندما تجد نفسك وسط تجمع إفريقي أمريكي أو كما درجنا على تسميتهم بالأمريكان السود, تستدعي الذاكرة على الفور مشاهد العنف المختزنة من الأفلام الهوليودية. وجدت مسلكي حذرا ولم أسع للاشتباك في حديث فقد كان الجو شديد الحرارة وصديقتي لديها موعد مع حلاق ابنها استعدادا لبدء العام الدراسي. لكن المخرج جرني لحوار مع شاب أمريكي أسود مسلم (لأتوقف عن استخدام ذلك التعبير العنصري).
كان الشاب الأفريقي الأمريكي يرتدي ملابس كالتي برتديها مغنو الراب بما يتضمنه من مصوغات ذهبية براقة وضخمة وعندما أخبره المخرج بأني مصرية مسلمة تحمس لفتح حوار معي فسألته عن الصلاة والصوم والمصوغات الذهبية وهيئته وأشياء أخرى ثم سألته هل والداه مسلمان ففوجئت بأنه قد اختار الإسلام وليس مسلما بالوراثة فزاد ارتباكي فمظهره منقطع الصلة عن ما أكونه في مخيلتي واستطردت متسائلة إذا ما كان يتعاطى الخمر فجاء الرد بالإيجاب وهنا لقنني المخرج الأمريكي سؤالا عن المكان الذي تعرف فيه على الإسلام فأجابني "بالسجن" ووسط علامات الاندهاش علق المخرج الأمريكي بأن تلك الظاهرة منتشرة في أمريكا وأنه كان يتوقع ذلك.
إذن المسلمون في سجون أمريكا ينشرون الإسلام وكذلك المساجد متوفرة في كل مكان، فكرت أيضا في هؤلاء الذين دخلوا الإسلام في ظروف ضاغطة وهل هم مصدر قوة أم ضعف، لكنني سرعان ما تداركت الأمر، فليست هذه هي القضية، لكن الموضوع ببساطة أن الدستور هناك يكفل حرية العقيدة وحرية تغيير العقيدة، كما أن المجتمع الأمريكي يسمح بحرية الدعوة لأي دين أو مذهب أو عقيدة بشرط ألا تتعارض مع أسس النظام العام وألا تدعو للعنف، وأذكر أن طائفة المورمون وهي من الطوائف المسيحية الأصولية صغيرة العدد عانت في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين من مشاكل كثيرة مع الحكومة الفيدرالية وحكومات بعض الولايات بسبب انتشار تعدد الزوجات بينهم، الأمر الذي كانت تعتبره الحكومة الأمريكية مخالفا للنظام العام، لكن مع مرور الوقت تقبل المجتمع الأمريكي هذا الأسلوب المختلف في الحياة.
لكن لماذا يعتنق المسجونون الإسلام، ربما لأن الإنسان الذي يمر بمحنة أو أزمة يجد أحيانا أن في اعتناق عقيدة جديدة مخرجا من أزمته، كما أن كثيرا من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية يتجهون إلى الإسلام في سياق البحث عن الهوية والتنقيب وراء الجذور، فمن بين الأجداد الذين اختطفوا من أفريقيا وجاء إلى القارة الجديدة عبيدا للمستعمرين البيض من كانوا يعتنقون الإسلام الذي انتشر في غرب أفريقيا منذ العصور الوسطى.
سألني صديقي المسلم إذا ما كنت أرغب في أن يصطحبني إلى الجامع فاعتذرت لأن صديقتي كانت قد سبقتنا ومازال أمامنا يوم تصوير شاق.
اقرأ أيضاً:
استشهاديو البلح قبل مدفع الإفطار/ بثينة عادل وسيد عبد العال بطل الكاراتيه