لسنوات عديدة مضت اعتاد أهل مدينة المنصورة أداء صلاة العيد في الاستاد الرياضي للمدينة مستمتعين بخطبة العيد يلقيها عليهم أحد الخطباء المحبوبين لديهم وكان أكثر هؤلاء الخطباء ارتباطا بصلاة العيد هو الشيخ محمد حسان الداعية الإسلامي المعروف على اعتبار أنه من أبناء الدقهلية ونجبائها وله شهرة عالمية ومصداقية عالية لدى شرائح واسعة من الناس، إضافة إلى أنه لا يتبنى موقفا سياسيا معارضا للنظام، ولا ينتمي إلى حزب معارض، ولا ينتمي إلى الإخوان المسلمين، ولا يسعى إلى الترشيح في أي انتخابات، وأن لديه علاقة تفاهم وتفهم مع القيادات الأمنية، وليس لديه رغبة في تكدير النظام العام، ولا في إثارة الجماهير.
وكان من المعتاد أن المحافظ ومعه القيادات الرسمية يؤدون الصلاة في مسجد النصر المجاور للمحافظة وسط مراسيم وإجراءات حكومية خاصة. ومنذ حوالي ثلاث أعوام حضر السيد المحافظ والقيادات الأمنية صلاة العيد في الاستاد الرياضي، وخطب العيد أمامهم فضيلة الشيخ محمد حسان وظننا وقتها أن ثمة تصالح وتقارب بين القيادات الرسمية وبين جموع الشعب ودعاتهم المحبوبين، وأنه آن الأوان ليلتقي الجميع في مكان واحد في يوم العيد، وبروح طيبة نتمناها جميعا لمصرنا العزيزة حتى نخرج من حالة الاستقطاب والتشنج السياسي والديني التي نعيشها، ولكن في السنة التالية مباشرة اختفى الشيخ محمد حسان وحل محله خطيب من وزارة الأوقاف، وكانت صدمة مؤلمة لما يقرب من نصف مليون مصلي في يوم العيد حين غاب (أو غيّب شيخهم المفضل) وواكب هذا الغياب حضور القيادات السياسية والأمنية بكثافة شديدة. ومع هذا قبل الناس ذلك طوعا أو كرها، وربما تفهم بعضهم الدافع لذلك الأمر سواء من الناحية الأمنية أو السياسية أو حتى الدينية، فالصلاة هي الصلاة يجب أن لا ترتبط بشخص معين مهما كانت مكانته في نفوس الناس، كما أن الذي يؤم الصلاة هو عالم فاضل من وزارة الأوقاف ومن علماء الأزهر.
وفي العيد الماضي بدأ الظهور الواضح للحزب الوطني في الإستاد بلافتاته وقياداته ورموزه. أما في هذا العيد (منذ أيام) فقد تكثف هذا الحضور بشكل ملح ومستفز، فمنذ لحظة الوصول للمصلي تجد لافتات كبيرة للحزب الوطني ولافتات تحمل أسماء قياداته بشكل نرجسي وكأنها حملة انتخابية وليست شعيرة دينية، ولكن الأكثر إيذاء للمشاعر هو وضع لوحتين كبيرتين على يمين خطيب العيد وعلى يساره يحملان اسم أحد قيادات الحزب مما يعد إقحاما غير مقبول وغير مسئول لأسماء بشر (مهما كانت مكانتهم) في شعيرة يجب أن تكون خالصة ومتوجهة نحو الله وحده.
فهذا موقف لا يجب أن تعلو فيه أسماء أو شعارات سياسية، وإنما تخلو الساحة فيه تماما لله وحده، ولعبادته وحده، خاصة وأن الدستور في صورته الجديدة يمنع استغلال الدين لأغراض سياسية، وهذا العمل الذي يمارسه الحزب الوطني هو قمة استغلال الدين لأغراض سياسية، وهو بالتالي مخالف للدستور. والحزب الوطني، قد دأب في المرحلة الأخيرة على تكثيف لافتاته ووضع أسماء قياداته بشكل نرجسي في كل مكان وفي كل مناسبة، وفي تصوري أنه يحاول أن يكون متواجدا في الشارع ليواجه تواجد فئات أخرى غير مرغوبة حكوميا تنجح في استقطاب الشارع أكثر منه، ولكنه أخطأ الطريق فالتواجد في الشارع لا يكون باللافتات، ولا يكون باقتحام صلاة العيد واغتصابها، ولا يكون بتوزيع أدوات منزلية وكهربية بناءا على مسابقات طفولية بعد صلاة العيد (كما فعل في العيد الماضي بكل أسف)، ولا يكون بإعلانات "فشنك" عن دورات للتوظيف أو لتعليم الكومبيوتر، ولا يكون باغتصاب المقرات في دار الكتب وفي غيرها.
إذن هي نصيحة للإخوة في الحزب الوطني في الدقهلية –وفيهم من أحترمه وأقدره– بأن لا يتواجدوا بالطريقة الخطأ التي تزيد الناس غضبا منهم أو نفورا أو انصرافا عنهم، وأن لا يؤذوا الناس في مشاعرهم الدينية، وأن لا يكتفوا بالتواجد الإعلاني فوق رأس الإمام في صلاة العيد أو حول مبنى المحافظة، وإنما يتواجدوا وسط الناس الحقيقيين والمستحقين للمساعدة وهم كثر، وأن يحرصوا على أن يكون تواجدهم وسط الناس بشكل مباشر وحقيقي، ووقتها سيحبهم الناس فعلا ويعطونهم أصواتهم دون حاجة إلى تزوير انتخابات أو تقفيل لجان أو منع الناخبين من الوصول إلى الصناديق.
ورجاء أخير في هذه المناسبة للإخوة الفضلاء في الجهاز الأمني وهو أن يكفوا عن تدليل ومساندة الحزب الوطني لكي يقوي عوده ويصحح أخطاءه ويصبح جديرا بالمنافسة الحقيقية في حياتنا السياسية، فالتدليل والحماية لهذا الحزب يقفان وراء الكثير من مواطن الضعف والخلل فيه، وهذا سيوفر جهدكم لقضايا أهم ويحمل عنكم أعباء تثقل كاهلكم ليل نهار، فأنتم في النهاية أبناء مصر "كلها"، وحماة الوطن "بكل فئاته". وإلى أن تتولد القناعة بذلك نرجو جميع الأحزاب والجماعات والجمعيات أن يتركوا لنا صلاة العيد خالصة لوجه الله وأن يبتعدوا بلافتاتهم وأسمائهم ورموزهم عن مكان الصلاة المقدس الذي لا يجب أن يذكر فيه غير اسم الله الواحد الأحد.
اقرأ أيضاً:
مولد سيدي راعي البقر! / أسرار النجاح