التحقت بالجامعة في العام الدراسي 79/80 حيث كان الرئيس الراحل أنور السادات قد أصدر تعديل اللائحة الجامعية التي تنظم النشاط الطلابي فألغت اللائحة لجنة النشاط السياسي وضمت النشاط الثقافي مع الفني. دخلت الجامعة بصورة مطبوعة في ذاكرتي منذ الطفولة لمشهد الطلاب الجامعيين المعتصمين بميدان التحرير سنة 72 والذي وصفه الشاعر الراحل "أمل دنقل" في قصيدته الشهيرة "الكعكة الحجرية" بقوله: دقت الساعة القاسية
كان مذياع مقهى يذيع أحاديثه البالية
عن دعاة الشغب
وهم يستديرون؛
يشتعلون -على الكعكة الحجرية- حول النصب
شمعدان غضب
يتوهج في الليل..
والصوت يكتسح العتمة الباقية
يتغنى لأعياد ميلاد مصر الجديدة!
"وقتها كان أبي قد انتقل للعمل بمدينة الإسكندرية وكنا في زيارة للقاهرة وفي الطريق إلى المنزل مررنا على ميدان التحرير فتوقف أبي رغم الحصار الأمني ليتكلم مع الطلبة ويتفهم مطالبهم. كنت وأخواتي مجرد أطفال لا نستوعب التفاصيل لكن تبقى الانطباعات وأبي يدعو لهم بالسلامة وبالخير لمصر. ليتكون في ضميري الطفولي عدالة المطالب الوطنية لهؤلاء الطلبة. دخلت الجامعة وأنا أبحث عن الطلبة الوطنيين فالتقيت بالناصريين واليساريين وكان لكل منهم علامات في تكويني وقراءاتي لكني لم أجد نشاطا سياسيا بالمعنى الحقيقي فقد كان عدد كبير من الناشطين السياسيين في المعتقل في قضايا تنظيمية وكانت التهمة الشهيرة وقتها هي معاداة دولة صديقة ألا وهي إسرائيل حيث كانت مصر قد وقعت على اتفاقية كامب ديفيد في العام"78". وكانت كلمة "فلسطين" من المحظورات وقتها.
وفي عامي الدراسي الجامعي الثالث رشحت نفسي لانتخابات اتحاد الطلبة عن اللجنة الثقافية والفنية وأعددت برنامجا انتخابيا طلابيا خاليا من المطالب السياسية. فطالبت مثلا بتوسيع المدرجات حيث كانت مدرجات كلية التجارة وقتها كأتوبيسات النقل العام تبظ ويفترش فيها الطلبة أرض المدرجات وحواف النوافذ. وكان لذلك المطلب بالتحديد ردود فعل ساخرة من المتنافسين.
أدركت سذاجة صياعته فكنت أرد على أسئلة المتهكمين بردود أكثر سخرية وهي "أن نضع لها سمكة" وهو تعبير يستخدم في الحياكة عندما تضيق الملابس فنوسعها بقطعة قماش إضافية يطلق عليها "سمكة". بخلاف البرنامج الانتخابي الذي طبعته من مصر وفي صنع لي صديقي عمرو أسعد كروتا انتخابية مبتكرة تجمع بين الفن والكاريكاتور وجدت أحدها في صندوق الذكريات، كتب عليه 3 ثقافية..
إن كنت من عشاق الشعر فانتخب من أتت للكلية العام الماضي بهؤلاء فاروق شوشة، أمل دنقل، عبد الرحمن الأبنودي، عبده المصري، خالد يوسف، مصطفى عباس، زين العابدين فؤاد وشعراء الجامعة الشباب. إنها "بثينة عادل" وبمساعدة من أصدقائي المهتمين بالمسرح صنعنا ماسكات ورقية مكتوب عليها فقرات من البرنامج الانتخابي. ونجحت وحصلت على رئاسة اللجنة الثقافية والفنية ولا أنسى الشعار الذي كان ينادي به المتضامنون على أبواب اللجنة الانتخابية "انتخبوا بثينة عادل وسيد عبد العال بطل الكاراتيه" وهو شاب مجدع تحالفنا معا أثناء المعركة الانتخابية وقدم كل للآخر السند والدعم.
وقتها كانت القوتان الرافضتان للناشطين هما الطلبة الحكوميون المتعاونون مع الأمن والسلفيون وكانت الدعايات المضادة لي من نوع "دي عندها إسكندر فاسمها يعني مسيحية" بينما اسمي هو "بثينةعادل علي كامل إسكندر محمد" أو "حتدوا صوتكم لواحدة بنت؟" ومع ذلك كان عاما دراسيا حافلا بالنشاط الطلابي فأنشأنا خلاله "جماعة الصحافة والأدب" وأقمنا العديد من الفعاليات الثقافية والفنية وكانت لمجلات الحائط التي كتبناها بمناسبة "يوم الطالب العالمي" ذكريات لا تنسى. فقد كان عنوان أحد مقالاته "صدقي جلاد الشعب" والمقصود به صدقي باشا رئيس وزراء مصر السابق بينما كان وكيل الكلية المسئول عن النشاط الطلابي والمنوط به الموافقة على المادة هو د.صلاح صدقي أستاذ مادة التأمين والذي رفض التوقيع بالإجازة على تلك المجلة طبعا وأنا أقدمها له مع زميلتي بالكلية.
الصحفية الآن بجريدة الأخبار"مي عزام" وإحنا ولا على بالنا. وعندما اكتشفنا المفارقة لم يكن هناك مجال للتعديل وصودرت المجلة. وفي العام التالي فوجئت بشطب اسمي من قوائم المرشحين لاتحاد الطلبة فلجأت للمحامي الراحل "أبو الفضل الجيزاوي" لأوكله لرفع قضية ضد هذا الإجراء التعسفي. لم أتابعها فقد تزايدت موجة الإسلاميين المتطرفين وحملاتهم بالجنازير على طلبة النشاط الفني ومنعهم للعروض المسرحية باعتبارها حراما. والأمن يقف ويتفرج على الطلبة المهتمين بالنشاط الفني وهم يضربون ويسحلون وفي نفس الوقت يمنعون كل نشاط طلابي سلمي معارض إلى أن حسمت الدولة أمرها وأعلنت حربها المتأخرة على الإرهاب الذي صنعته يداها. ما أشبه اليوم بالبارحة. ولكن إذا خرجت كلمة للنور لا تستطيع جيوش الأرض محوها. من فيلم "في فور فنديتا".
واقرأ أيضاً:
الإسلام دين المساجين / شجاعة مودرن