التغيير!! إلى أين؟ ما هي علاماته؟ ما هو اتجاه مساره؟ المتابع لما حدث في بلدنا عبر نصف قرن لابد أن يلاحظ ما حدث في منظومة القيم من تحّول، ظهرت قيم سلبية بشعة، وتوارت قيم تقليدية ملتبسة، ولاحت قيم جديدة واعدة!! سوف أتكلم اليوم عن قيمتين سلبيتين سادتا مجتمعنا بشكل منذر، ثم أشير إلى قيمتين إيجابيتين لاحتا في عمق ألم التجربة وتراكمات الفشل.
القيمتان السلبيتان هما "الغش" "والبلطجة"، "والقيمتان الإيجابيتان" هما "الاحترام"، "وإحياء التفكير النقدي". أما عن انتشار قيمة الغش فقد كتبت فيه كثيرا، وبالذات كيف ننشئ أولادنا ليس فقط على أن يغشوا، ولكن على أن يفخروا بالغش ويتعاونوا عليه (الغش الجماعي) بدءاً من امتحانات المدارس حتى البحث العلمي، مرورا بالغش التجاري وتزوير الانتخابات.
القيمة السلبية الثانية تجلت مؤخرا تحت اسم البلطجة، تجلت وقحة متحدية ربما تحديثا مشوها لقانون "البقاء للأقوى" مع أن علوم التطور تراجع هذا القانون وتنقده أو تنقضه. رحت أتأمل صور رجال الزعماء الجدد وهم يمسكون السيوف والسكاكين والعصى والقبضات الحديدية وسوست السيارات القديمة وأتساءل أين نحن؟ مَنْ هؤلاء؟ هل هذا هو شعبنا الطيب؟ تصورت أنني لو سألت أيا من هؤلاء عن: لماذا هو هنا؟ وعن ماذا يدافع؟ وإلى أي هدف يندفع؟ فالأرجح أنه سيذكر اسم شخص ما، وأنه يدافع عن هذا الشخص حتى ينتصر على خصمه (أي خصم!)، وأن هدفه هو أن يقوم بمهمته حتى يقبض ما اتفقوا عليه.
نفس الإجابات سيجيبها عليك نفس الشخص إذا قابلته واقفا في لوبي فندق هيلتون رمسيس يؤجره وكيل سائح ثري خائف، وهي هي إجابة ذي العضلات الواقف على باب بلاج خاص اسمه "لابلاج" في مركز مارينا العلمين لمنع شغب بعض الشباب إذا سكر من أن ينتهكاو رقة ودماثة أثرياء الأثرياء، هذا الروبوت العضلي الذي يتكلم مثلنا (حيوان ناطق) لا شأن له إلا صفقة أجره، يستعد لذلك بتضخيم عضلاته، وتبليد مشاعره، وميكنة أدائه، أما إصلاح البلد؟ أو تنمية الوعي؟ أو تصحيح الاقتصاد؟ أو إنقاذ التعليم؟ فما هذا الذي تقول ياسد؟! نحن مالنا بكل هذا؟.
لا أتصور بحال، أن شاباً مصريا مفتول العضلات أو بطلا في الكونغوفو، مهما بلغ به الحماس السياسي، أن يندفع ليذهب تلقائيا ليحمي حزبه، أو ليرجح كفة برنامج سياسات زعيمه، أو ليؤكد قدرة مرشحه على خدمة البلد. ربما فعلتْ ذلك قلة قليلة من الشباب المثالي الذين يحسبون أن ما يفعلون هو لإعلاء كلمة الله من باب "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" لكن أبدا، ليسو هم، أو لعلهم ندرة.
على الجانب الآخر وبإحياء تفاؤل عنيد كاد يتوارى، لمحت في وعي بعض المواطنين شعوراً باحتمال بداية النظر في أن لهم كيان يستحق الاحترام، بمعنى أنْ يسمع لصوتهم، ويؤخذ رأيهم، "الاحترام"!! قيمة أغلى من الحب، وأقرب إلى العدل. ثم لاحت لي قيمة أخرى من بعيد، هي قيمة إحياء التفكير النقدي، فما يجري هنا وهناك من مراجعة، أو من هجوم ودفاع، أو من دعاوي الإصلاح الحقيقية وحتى الزائفة، أو من الاجتهادات الدينية لتجاوز سقف وضعه البشر وليس الله تعالى، كل ذلك يقول إن "نقداً ما يتحرك".
قال لي تفاؤلي العنيد: يحق لنا أن نأمل أن يحل الاحترام ومكابدة النقد سنين عددا محل الغش والبلطجة. إذا حدث ذلك سنصير شعبا نابضا جديرا بالإبداع والإيمان الخلاّق.
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟
قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين.
نشرت في الأهرام بتاريخ 18-11-2005
اقرأ أيضا:
الخوف من إعاقة السعي إليه. / عن السلطة والإيمان والدين / .. شم النسيم..