أرسل المهندس محمد علي حشيش (37 سنة، مصر) يقول:
على باب الله: معركة البنطلون
لا مبالغة؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
دائما أتابع ما تكتبه وردودك على الاستشارات أيضا والتي في كثير من الأحيان تأخذها سبيلا للحديث عن بعض المشاكل العامة في المجتمع.
كتبت فقط تأكيدا، وأقول للأسف لست مبالغا كما تمنيت بل العكس ربما لو فكرت أكتب ما عندي لم أجد الأسلوب الكافي للاختصار وربما كانت كوميديا سوداء ولم أعد أعرف أنه يمكن أن تتغير حياتنا ونحن على قيد الحياة حيث أنني أرى أن الأجيال القادمة والتي بدأت نبتتها حاليا أسوأ مما سبق فمن أين يأتي التغيير؟!
"لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
17/11/2007
أرسلت غادة فاروق محمد (32 سنة، كيميائية، مصر) تقول:
على باب الله: معركة البنطلون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
د/أحمد؛ ألف حمد الله على السلامة من رحلتك الإفريقية.
وأوجعت قلبي في جملتين ذكرتهم في مقالك تحت عنوان "معركة البنطلون" ما أوجع قلبي بحق هو ذكرك لما تفضل وعلق عليه مفتي الديار المصرية من أن من غرقوا على السواحل من الشباب والرجال هم من الطماعين الذين يجب عليهم استثمار أموال الهرب داخل وطنهم.
نعم هو لا يشعر بما يعاني منه كل مواطن كادح -وأي استثمار هذا لمن لا خبرة له في الاستثمار والمشاريع- أي استثمار هذا لمن لا يعتمد إلا على ساعده ليحيا ويطعم هو وعائلته، أي استثمار هذا في بلد يسقط أباطرة الاستثمار فيها من الصعوبات التي تواجههم، وبدلا من كلمة مواساة لأهالي هؤلاء الشباب والرجال - جاءت كلمة طماعين.
أقسم بالله اعتصر الألم قلبي وأنا أسمع حواره في التلفاز، وكأن هذا الرجل وغيره من أولي الأمر في بلادنا لا يعلمون ولا يشعرون ولا يشاهدون طبقات دون طبقاتهم -ولا أعني بكلمة (دون) الاختلاف بالنقص في المستوى الاجتماعي بالطبع- وإنما أعني الاختلاف في المستوى المادي.
لا يعلم أي من هؤلاء السادة الأفاضل إحساس أب أو أم أعجزهم بكاء طفل أو دواء لمريض أو احتياج من احتياجات الحياة اليومية الطبيعية.
وأين مفتي ديارنا الجليل من قول الحق عز وجل:
"إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا"
أعلم قطعاً أن هذه الآية تنطبق على من لم يقاوموا الإيذاء في دينهم فاستسلموا للبقاء في الكفر ولم يحاولوا البعد عن معاقل الكفر في بلادهم ويهاجروا في ارض الله الواسعة، ولكن فقط أقول إن أرض الله الواسعة كما هي للنجاة والفرار بالدين بعيدا عن الكفر، هي أيضاً للسعي بحثاً عن الرزق مادام حلالاً - ومادام أحداً ; لن يمد يده إلى جيب أو قوت غيره ليطعم هو من حرام -والله أعلم- إنه فقط إحساسي تجاه هذا الأمر.
ولا يسعني في النهاية إلا أن أقول:
حسبنا الله ونعم الوكيل
ولا إله إلا الله
20/11/2007
أكتب في عجالة تفاعلاً مختصرا مع ما تفضلتما به، ولنا عودة إن شاء المولى وتفضل.
عندما كنت في كينيا مؤخراً قلت أنه تشيع في أمتنا روح وثقافة يأس، وأحياناً انتظار لأننا تعودنا أن نكون في موقع المفعول به، وبالتالي الضحية حين يكون الفعل الواقع علينا سالباً.
بعضنا ينتظر المهدي، وبعضنا ينتظر الإمام الغائب، وبعضنا يترقب قيام الساعة وعلاماتها، وبعضنا مستغرق في لعن الحكومات والأنظمة التي ربما تستحق هذا وأكثر، ولكن ما جدواه؟!
ما جدوى ذرف الدموع والحسرة على فساد الأنظمة أو الأجيال الجديدة أو الظروف الصعبة التي نعيشها؟!
مدينون بالاعتذار نحن الأطباء حين نتصدى للكتابة في الشأن العام حيث تعودنا أن نتحدث عن الأمراض والأعراض والأوجاع، ولكن هذا مبرمج في أدمغتنا وخبراتنا كجزء أساسي ومقدمة لازمة من منظومة أي علاج، إنه التشخيص لا الولولة، ولا بث الأحزان، ولا البكاء على اللبن المسكوب.
وعلى كل من يشغل نفسه بهاجس التغيير أن يتعلم ذلك، فلا يتجمد عقله ولا ينشل تفكيره حين يرى النزيف أو آثار الحريق أو الالتهاب أو الكسور والجروح، ولكن مباشرة يعمل عقله بطريقة إيجاد الحلول والعلاج لما يراه أمامه!!
وفي مدونة سابقة كتبت عن السم والترياق، وأعني بهما أن نفس جسد الأمة الذي يبدو مثخناً إنما يتضمن ويحمل أسباب المقاومة وعوامل النهضة، لكن الأخيرة تحتاج إلى حشد واستنفار وإيقاظ ودوام تمحيص ومراجعة ورعاية وانتباه، والفوضى العارمة هي فرصة للعمل كما هي تحدي يواجهنا، والأجيال الجديدة التي قد يراها بعضنا أكثر تهافتاً أو انحلالاً أو اضمحلالاً هي نفسها التي تصفع الماضي وأصنامه بلا مبالاة، وتناضل محاولة للتجاوز، ولكنها تفتقد جهود أجيال أخرى في فهم الشفرات وفك الرموز والعلامات، والتواصل مع روح الغضب والتمرد على القديم،
وكنت قد كتبت منذ سنوات عن هذا المعنى مقترحا أن أساس النهضة الرئيسي يتمثل في تعاون جيلين أحدهما في العشرينيات من عمره حالياً، والآخر في الأربعينيات، وبدون هذا التواصل والدعم المتبادل بين من يملكون الحماسة، ومن لديهم بعض من الخبرة والبصيرة، بدون هذا التحالف سيظل العشرينيون يتخبطون في بحثهم عن سبيل، وسيظل الأربعينيون يتحسرون ندماً على غياب البديل.
هذا التواصل أراه لازما ومفتقدا إلا في حالات نادرة يتصدرها "مجانين" بهدوء ودون كثير ضجيج أو صخب أو ادعاء، وهذا من فضل الله علينا، وأزعم أن من اندرج في تجربة مجانين مستشارا أو مشاركا أو قارئا دائما قد صار لديه صورة وتصورا عن طبيعة المرض، واتجاهات الشفاء.
بالإضافة إلى هذا التواصل يمكنني القول أن مقاطعة مضخات الإعلام المسموم تبدو أساسية أيضا، وربما أصدم البعض بأن هذا الإعلام الذي أدعو إلى مقاطعته لا يقتصر على التافه والمخل الذي لا يذيع علينا إلا مخدرات سمعية وبصرية، ولكنني أشير إلى أن السم الأقوى هو ذلك المدسوس في العسل، فكثير من القنوات التي تبث مواعظاً أو أخباراً وتحليلات تبدو رصينة، إنما هي مضخات يأس وتشويش، ومخدرات من العيار الثقيل تشغل الناس عن أسئلة أهم تتعلق بإمكانيات النهضة وخطط التغيير الفردي والجماعي، وبناء الذات والقدرات، والمجتمع.
الإعلام المسمى بالجاد يعرفنا بأخبار وبرامج وتحليلات عن أشياء وبلدان وقضايا لا يضر الجهل بها، ولا ينفع العلم، بينما لا أحد تقريبا يتكلم بشكل فعال عن دور وإمكانيات كل إنسان منا بشأن تغيير حياته ونفسه وواقعه، والبيئة المحيطة به!!
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله متى الساعة؟!
(ويبدو أن جماعة المنتظرين قديمة!!)
وبدلا من أن يجيب الرسول على سؤال الرجل، إذا به ينقله في لفتة رائعة من سكون وثقافة وحالة الانتظار إلى دينامية وقلق وإنجاز حالة الاستعداد والبناء والتغيير، فيقول له بأبي هو وأمي:
فماذا أعددت لها؟!
أنت وأنا وكل من يسأل عن التغيير أو ينتظره أو يتحسر على تأخره فإنني أذكره أنه هو شخصيا إما خطوة هامة على طريق حصوله أو عقبة تؤخره، والمرء حيث يضع نفسه.
اقرأ أيضًا:
على باب الله: معركة البنطلون/ على باب الله: عقول معطلة.... وأوطان تغرق