مع الجميلة دبي لثاني مرة2
دبي البلد
صباح الأحد 18/11/2007 في حياة ريجنسي دبي هذا هو يوم السفر والساعة تقارب التاسعة صباحا..... وكان لدي من مساء الأمس اتصالا من مصر عرفت خلاله أن أحمد ابني الأصغر (ثانوية عامة) قد غَيَّرَ رأيه –أو غيَّرْتُ رأيي- ويريدني أن أشتري له بناطيل من نوع الجينز.... كان علي لذلك هذا الصباح أن أبحث عن أماكن بيع قريبة من الفندق وبالفعل لم يكن الطريق طويلا حتى وجدت نفسي داخل سوق هواتف محمولة ضخم... وأطلت المسير وكلهم من الشارع هنود -من الهند وليسوا هنودا من عائلة هندي- رغم ذلك لم يكن بدٌ من سؤال أحدهم عن محلٍّ أو محلاتٍ لبيع الملابس..... وأخيرا سألتُ وكان أن غيرت الشارع إلى آخر موازٍ ورأيت كيف تكون المحال مكدسة بين كل محلٍ ومحل محلان على الأقل!.... يا ترى ماذا كانت تبيع هذه المحلات قبل ظهور الهواتف المحمولة؟... أو لعلها لم تكن موجودة من أسأل؟؟.... هذه على أي حال هي دبي البلد أو وسط البلد مثلما نعبر في مصر، وهي على ضيق بعض شوارعها وازدحامها أقرب للقلب عندي.
أخيرا وجدت هنديا يرص البضائع ويعلقها على واجهة محلٍّ بدا وكأن يبيع كل شيء يمكن بيعه في هذه المساحة الضيقة سألته عن بناطيل جينز فأشار نعم هنا طلبت المقاس 36 وأدهشني فارق السعر الكبير رغم أنني لا أرى فرقا بين البنطلون في يدي والبناطيل التي اشتريت من المتاجر المتوحشة أمس وأول أمس،...... لو أن هذا ينطبق أيضًا على الأجهزة التكنولوجية فبصراحة أنا وغيري كثيرون مغفلين من الحجم الكبير!
رجعت وفي الطريق تذكرت ما قاله لي أخي المهندس فكري نبيل من أنه شاهد فجأة في أحد شوارع دبي الداخلية مقهى إنترنت يضع لافتة هي نفس "لوجو" مجانين دوت كوم وأنه فوجئ عندها وعندما دخل المقهى لم يجد إلا هنودا ولم يستطع أن يعرف شيئا عن صاحب المقهى، لا أدري لماذا كنت أفتش عن هذا المقهى الإليكتروني (الذي قد يكون تاريخا وقد أصبح الآن محلا لبيع بضائع المحمول)... ما علينا لم أجد طبعا ذلك المقهى لأنني أصلا لم أعرف له عنوانا ولا منطق لانتظار وجوده في سوق الهواتف....
وأخيرا رجعت إلى الفندق، وكنت على موعد مع أخي المستشار أ.د.طارق ملوخية على ضفاف حمام سباحة الفندق، سبح هو ولم أجد لدي رغبة في السباحة فاكتفى بغطستين، وجاء غامسا معظمه في الماء يحكي لي عن أفكاره في محاضرتين أعدهما عن عقَّاقير الماسا ليقدمهما لأطباء الإسكندرية في شرم الشيخ قريبا، واتفقنا على أبحاثٍ مشتركة بيننا.... بل واتفقنا على أن يستعيد نشاطه على مجانين –وهو أكسل مستشار على مجانين بامتياز- فقال مشكلة كل أسبوع وسأرد!..... أفلح إن وفى بوعده عسى الله يقويه ويعينه،......
وقبل ساعة من موعد التواجد في ردهة الفندق كان عليَّ أن أجهز نفسي التجهيز الأخير قبل السفر.. صعدت الغرفة وتوضأت –لأقتنص فرصة الأخذ برخصة الجمع والقصر للمسافر المسلم- وقبل الثانية عشرة كنت منتظرا في البهو أكتب الجزء الأول من هذه المدونة التي امتدت على ثلاث صفحات...
حقوق المدخنين؟؟؟
أسوأ ما كان يشغل عقلي وأنا في ذلك الوقت هو فكرة مؤسفة عن حقوق المدخنين باعتبارهم مرضى عاجزين عن النجاح في العلاج أو موسوفين أو كانوا ما كانوا هم مبتلون بعادة أو علة التدخين....... كانت صورة ما يجري في غرف المدخنين تشعرني بأن الإهانة مقصودة من هؤلاء الناس لأنفسهم..... تخيلوا غرفة غالبا ضيقة...... أحيانا جدرانها من زجاج.... وربما لها جدار أو اثنين من مرايا... وكله زجاج غالبا لا يهتم بمسحه أولا بأول.. –أو ظنا مني ربما- وأحيانا جدرانها زرقاء داكنة وعدد مقاعدها غالبا أقل من الممكن أن يوجد، وفيها طفايات سجائر عملاقة.... وغالبا يصدر عنها دخانٌ لسجائر وأعقاب محترقة... أي البقايا المحترقة لسجائر يرميها أو يطفئها أصحابها على عجلٍ –مسافرين في الأغلب الأعم-.... ...
لو تفرست الوجوه لوجدت الإعياء باديا على الجميع... والتوتر والشره في احتلاب الدخان والعبوس... وغير ذلك ربما من المناقشات الحادة، وأما الجو المحيط فخانق معبأ بدخان من كل صنف ومزيج من غازات ناقصة الأوكسجين وخانقة السلوك في بني البشر، ورغم ذلك فالصورة واحدة في كل مطارات الدنيا عدا... أين يا ترى؟؟؟ في صالات انتظار راكبي الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال.... يعني تقسيم إلى المدخنين أصحاب علةٍ نساعدهم على عللهم لأنهم يدفعون أكثر.... والذل لأصحاب العلة الأفقر..... إذن فالمبدأ الأساس ليس الحفاظ على الناس من أضرار التدخين، أو هو هدف يباع ويشترى... وأزيد تأملا في الهدف من الحملة ضد المدخنين هل هو حقا هدفٌ نبيل؟ بالتأكيد هو نبيل ولكن يشوبه ما أصبح يشوب النبل في أيامنا هذه من فساد!
وفي بعض المطارات يكون الجالسون والواقفون في غرفة المدخنين رجال ونساء وأنا بحكم عملي كطبيب نفسي أعرف أن أعداد المدخنات في تزايدٍ مستمر في كل مناطق العالم العربي في الآونة الأخيرة، فماذا يا ترى لو أن بنتا أو سيدة خليجية تدخن؟ هل تستطيع الوقوف في غرفة المدخنين الرجال أم يا ترى توجد غرفة للمدخنين وأخرى للمدخنات؟ لست أدري لكن يبدو أن بعض البلدان سينادى منها ليس فقط بحقوق المدخنين وإنما بحقوق المدخنات أيضًا .... والله إنه لأمر كله مخجل!
نفسيا يعتبرُ وضع المدخنين في هكذا وضع وهكذا غرف نوعا من العلاج السلوكي بالتنفير غير المفتعل يعني التنفير الطبيعي والفطري بمجرد أن تتفرس في وقفة المدخنين أو جلستهم وفي وجوههم وشفاهمم... إذن ليس التنفير فقط في البيئة المحيطة والحوائط المُذَكِّرَة المُكَئِبَةِ وإنما أيضًا بتخيل المدخن لنفسه كيف يكون؟ أو رؤية وجهه في المرآة وهو يدخن بشراهة متعجلا.... ومتحسبا أن التدخين ممنوع طوال مدة الرحلة على متن الطائرة.... منظر مدمنين يتفرسون في وجوه جيرانهم المدمنين أو في وجوههم أنفسهم في المرايا.... مناظر قميئة متكررة فكم يكونُ منفرا أن أتخيل نفسي كهؤلاء... وأنا منهم ! في غرفة المدخنين!... غرفة يتجمع فيها مجموعة من المنبوذين ذوي الأشكال المضطربة حيث يمارسون إدمانهم.
قررت فعلا أن أقلع عن التدخين -إن أحياني الله- في رمضان المقبل -فادعوا الله لي بالثبات والوفاء- وشكرا لغرف المدخنين في مطارات ما سافرت من الدول في الأعوام الأخيرة، فقد أدبتني تنفيرا.... وأرهقتني تفكيرا........ ولا أدري هل سأكمل تدوينا عن رحلة الرجوع من الفندق إلى مصر أم سأكتفي بما مضى؟؟
ويتبع >>>>>>>: مع الجميلة دبي لثاني مرة1م مشاركة
واقرأ أيضاً:
عقلاء الشارع أخطر من المجانين مشاركة / فقه الإنترنت أكمل يا ابن حشيش