في محاولة أن نقلل من كم الكذب والإنكار والاستعباط والغفلة التي تحيط بهذه المحاولات السطحية حسنة السمعة، المسماة "قبول الآخر"، "وحوار الأديان"، وإخفاء هويتك الدينية، والعلاقات السرية الخاصة جدا مع ربك أنت وعشيرتك الدينية، علينا أن نرتقي بنوعية وجودنا مع بعضنا البعض، وذلك بأن نتدرب على التعامل بآليات أصدق وأعمق وأكرم وأشجع ومنها:
(1) المواجهة (3) الاحترام
(2) المصارحة (4) التأجيل (تعليق الحكم)
وإلا فكل ما ندعيه باطل ومؤقت ومفسد في نهاية النهاية لأية محاولة للبشر أن يتعايشوا معاً .
* تبدأ المواجهة بأن يتحمل كل واحد مسئولية حمل أمانة الدين الذي ولد به، والذي ليس له فضل اختياره، حتى لو أعاد النظر، فسيظل منغرسا في خلاياه، والعمر أقصر من أن يغرينا بالبداية مع رحلة البشرية حتى نتبين كيف وُلْدنا هكذا هنا، الآن، ثم يسمح لنا بإعادة النظر!
* ثم المصارحة التي تبدأ بأن أعلنك عن موقعي، وديني، وملتي، وحتى احتمال تعصبي الذي أعرفه والذي لا أعرفه، وأن تفعل مثلي، بنفس الشجاعة والوضوح، المصارحة العادلة بين دكتاتورية الأفراد تخلّق حرية حقيقية راقية ومسئولة، إن المصارحة حتى النخاع سوف تجعلك، وتجعل شريكك على الجانب الآخر، أكثر وعيا بظاهر وباطن كيف تتعاملان معا، فإن كنت تحمل شرف المسئولية لما تأتيه وما تدعه، لما تعتقده وتنفيه، فلابد أنك ستسمح بمثل ذلك له.
الله سبحانه تعالى يعرف جهادك في تحمل مسئولية ما هو أنت، وما استلمته من دين، وما وضع في عقلك قسرا، وما أعملت عقلك وحسك وقلبك وتجربتك فيه، وما انتهيت إليه، وما راجعته. الله سبحانه وتعالى يعرف كل ذلك من داخل داخل خلاياك، كما يعرفه من داخل داخل خلايا المختلف معك، فإذا تصورت أنك قادر أن تخدع نفسك أو حتى أن تخدع من تحاور، فاعلم أنه سبحانه الأقرب إليك من حبل الوريد، يعلم ما تعلن وما تخفي الصدور، وأنه هو الذي سيحاسبك بعد أن يعطيك فرصة أن ترى بنفسك ما فعلت بنفسك "إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" وأيضا "بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره" .
* أما الاحترام فهو عندي عاطفة وموقف على قمة القمم، بل إني أعتبره أرقى مراتب الحب، لا أعني بالاحترام ذلك التبجيل والتوقير، وإنما أعني ممارسة نوع من العدل الذي لا يتحقق إلا من خلال التقمص، إنك لن تحترم أحداً، إلا إذا استطعت أن تتقمص موقفه، وأن تسمح له بنفس الحقوق التي تسمح بها لنفسك بعد أن تشعر بمشاعره، وهذا الموقف تحديدا أولى أن تمارسه مع المخالف لدينك ما دمتما تشتركان في صفة البشرية، إن اعتقادك الداخلي جدا (والخارجي طبعا) أن عقله لن يكون أهلا للاحترام الحقيقي إلا إذا اعتنق دينك، هو إثبات أنك لا تحترم عقله أصلا، لأنه لم يرقَ إلى جودة عقلك فاعتنق دينك (مع أنك شخصيا لم تعتنق دينك إلا بمولدك).
*وأخيراً التأجيل وأعني به "تعليق الحكم"، وهو ظاهرة تعلمناها مما يسمى "المنهج الفينوميولوجي"، الذي ينصحنا أن نضع الظاهرة بين قوسين حتى تتضح معالمها، وأن نتحمل الغموض ما دام الأمر يتطلب ذلك، تأجيل الحكم في سياق هذه القضية، يشمل إرجاء الأمر كله في نهاية النهاية لله رب العالمين، أنت تؤجل حكمك على الآخر المختلف معك في الدين، بعد أن عرفت دينه معلنا صريحا، وهذا يدل على يقينك من عدل الله ورحمته معا، فتترك له الأمر، إن الأمر كله لله، فتؤجل مطمئنا إلى حكمه تعالى، وهل هناك أجمل وأصدق وأعدل من هذا؟
وبعد........ إذا كان الأمر كذلك، وهو عندي كذلك، أو أحاول أن يكون كذلك، فما معنى هذه الدعوة الخائبة أن نخفي دينيا عن بعض البعض، وأن نتصنع التسامح، ونحن لا هم لنا، من كثرة حبنا لبعض البعض!!!! إلا أن نحاول أن ندخل، الآخرين في ديننا الذي هو أحسن دين، وأكمل دين، نفعل ذلك سراً وعلانية، أفراداً وجماعات، حكومات و"منظمات غير حكومية"، وكلام كثير من هذا.
الخلاصة
دعونا نحاول أن نبحث معاً، في كيفية أن يتوجه سهم كدحنا، ونشاط أدياننا، وسعي كدحنا، كلٌّ من موقعه نحو محورٍ مركزي مشترك، لا نعرف عنه التفاصيل لكنه هو الحق الماثل، مع أنه ليس كمثله شيء ، لكننا يمكننا وبصدق أن نعرف اتجاه السهم إليه عبر الناس، فادخلي في عبادي، إليه سبحانه وتعالى.
من كل صوب وحدب، من كل دين ودرب.
نشرت في الدستور بتاريخ 19-1-2008
اقرأ أيضا:
الدين العالمي الجديد! هيه..!وضحكت عليك!! / قبلات وأحضان، وحوار الأديان / صيد الأحاسيس، وذباب الكلمات في معرض الكتاب