عندما تقرأ جماهيري "العريضة" (أبتسم) هذه السطور سأكون بمشيئة الله في طريقي إلى بيروت، أو فيها فعلاً، وربما أكون قد غادرتها، الأمر يتوقف على سرعة "مجانين"، أحب بيروت.
في هذا الصباح الحار قبل الأوان، وعلى الطريق بين القاهرة المزدحمة، والزقازيق المزدحمة أقل أشعر أنه وقت للكتابة رغم اهتزاز عربات "شرق الدلتا" التي صارت صديقة أجالسها أكثر من أي صديق آخر!!
يقتحمني صوت "إليسا" هذه الأيام، وأنا أصلاً أحبه، رغم تحفظي على بعض سلوك صاحبته وما تلبسه مثلاً، الأمر الذي يبدو وأنه يعجب غيري جدا ويعجبها طبعاً، وهي حرة مثل كل إنسان، وإن كان النجم ينبغي أن يحسب أموره بشكل مختلف!! ليس هذا موضوع اليوم!!
"إليسا" تحاول تحقيق معادلة صعبة فهي تتحرك في منطقة الإحساس بصوت شجي حساس، ولحن متميز، وطمعها وجسدها يساعدها، وربما يدفعها إلى أن تستثمره في الدعاية والظهور بوصفها المرأة الحلم، وكأنها تقول لمن يسمعها: ستجد كل شيء عندي، فلماذا تبحث عند غيري؟! إن شئت طربا فلدينا، وإن شئت أو تشوقت إلى خيال عابث ماجن، أو إحساس رومانسي جميل فلن نحرمك!!
ولا أعرف هل صار لدينا من يرسم لهؤلاء النجوم صورة ذهنية، وأسلوبا وطابعا تتميز به كل واحدة اليوم، وتدخل به المنافسة مع الأخريات؟!
"نانسي عجرم" تتحرك في مساحة الجمال البريء، وهي الأصغر سناً وملامح وجهها الطفولي تساعد على ذلك، و"هيفاء وهبي" تحاول احتكار مساحة الأغنية الحسية فهي تؤدي بجسدها الفائر المرسوم بعناية وحنكة وخبرة جراحي التجميل فتلعب على المخيلة الجنسية، ومساحات الأشواق والرغبات المكبوتة عند الأشاوس من رجالنا، وأغلبنا نشامى وأشاوس، ولا أهمية للأقنعة!!
وهنا تدخل "إليسا" منافسة طاحنة على أحلام الرجال أو الذكور العرب، وكأنها مرسومة بعناية كامرأة ناضجة سناً وجسداً تكشف مفاتنه، ولا تكتفي بذلك، بل تحاول بسط وجودها في مساحات الطرب والرومانسية!!
بشكل عام أنا لا أحب الجمال المنفوخ أو المصنوع، واهتمامي بهذه المنافسة سيبدو غريباً ومحيراً للبعض، وأنا تعودت على هذا، أي أن يراني البعض محيراً أو غريباً، أو أحاول الجمع بين متناقضات، هذا إدراكهم وهم أحرار فيه، وأعود إلى "إليسا".
الألبوم الأخير لها، وأعتقد أن اسمه "أيامي بيك" نزل إلى الأسواق، وكنت في الإسكندرية، ومن أول يوم أحبه المصريون، وإذا أحب المصريون شيئاً أو أحداً يبقى _اتلقى وعدك_!!
بالتالي كان متوقعاً أن تسمع قولها: يا نعيش مع بعض حبيبي يا نموت احنا الاثنين!! بشكل متكرر جداً جداً، والأغنية كانت تلاحقنني رنات موبايل في المترو، وفي الشارع، وفي المحال والأسواق، وحتى ذات مرة كنا نصلي الظهر في المسجد القريب في المعادي فإذا بموبايل أحدهم يرن مردداً نفس المقطع الذي يبدو أن المصريين قد أحبوه حتى تظن أنه قد صار عندهم بديلاً عن "بلادي بلادي"، وربما لأنهم باتوا لا يعرفون بلاد من هي؟!! أقصد مصر!!
أخيراً غالبت خجلي وسألت أحدهم، وكان يذيع الأغنية عبر الموبايل، وكأنه يُسمعها للآخرين!!
تخيلت لبرهة أنني أمام حزب يتشكل، أحزاب أقوى من الكارتونية التي لدينا، جماعات تتشابك وتتداعى حول معاني وصور وأفكار ومفاهيم وشجن ومشاعر لا تجدها في الواقع فتلتمسها في الأغاني التي أعتقد منذ زمن أنها صارت ترسم المفاهيم وتصوغ التصورات وتشكل العقول بأكثر مما تفعل مواعظ وخطب وصرخات ودروس وتلقين وتكرار المشايخ والمدرسين والآباء والأمهات وكل الأدوات الخايبة التي هي بضاعتنا في التنشئة أو التواصل مع أجيال جديدة في عصر جديد، بل وأجيال قديمة أيضاً!!!
الأغاني تصوغ المعاني، والمعاني تحرك العقل والمشاعر، والإنسان كله، وهذا من أيام كونفوشيوس، ومن قبله!! وهو القائل: "دلني على من يكتب أغاني شعب، وماذا يكتب لهم، وأنا أدلك على شخصيتهم"، أو كما قال!!
الأخ الذي كان يذيع الأغنية سألته عن اسمها، وعرفت أنني منذ شهور أسمع حاجة اسمها: "يا عالم" "بكسر اللام" دخلت إلى أرشيف العالم المسمى "يوتيوب" وبحثت لأجد عجباً!!
الأغنية التي لم تصورها "إليسا" كفيديو كليب حولها البعض إلى فيديو كليب فعلاً باستخدام تقنيات مختلفة، حتى صارت لدينا عدة طبعات بصرياً متنوعة بين المشاهد الفيلمية والصور وحتى الرسوم الكارتونية!!
هذا التفاعل مع الأغنية واسعة الانتشار يعني أنها تمس وتراً داخلياً عند المصريين، وربما غيرهم، وسألت إحداهن فقالت: إنه خوف المصريين من المجهول، وتعودهم المتنامي بعدم الأمان في القادم من الأيام، وعندي فإن المصريين فعلاً مستغرقين في مشاعر تغمرهم من هذا القبيل!!
فكرت أن أدرس العلاقة بين أغنية "إليسا"، والتي سبقتها زمنياً ومؤخراً في الذيوع، اختيار الناس كان قد وقع على أغنية اسمها "المحكمة" موجودة على اليوتيوب أيضًا، وقالت محدثتي أنها تشابكت مع نفس المساحة النفسية: الشعور بعدم الأمان والخوف من بكره.
يهمني أن أعرف ما تفعله الأغاني في الناس، وأيضًا كيف يستخدم الناس الأغاني في بناء عالمهم من مفردات موجودة حولهم يعيدون توظيفها في سياقٍ يريدونه، والمصلحة متبادلة إذن بين الأغنية والمستمع!!
فكرت أن أسأل من يتابعون هذه الأغاني عن رؤيتهم لها، وتفاعلهم معها، وعن المشاعر التي تجول بخاطرهم حين يستمعون، لأفهم السياق الحالي أكثر، وأفهم الناس أكثر، وما يحصل فينا ولنا أكثر، فهل من مجيب؟؟
واقرأ أيضاً:
على باب الله: أم المشاكل/ على باب الله: كلام في الحب مشاركة