مررت على المدرسة التي تعمل فيها زوجتي مدرسة لمادة الفيزياء، وقت انتهاء الدوام، ثم مررنا على بيت المربية التي نضع عندها طفلنا الذي لم يتجاوز عمره الشهرين... التقطنا الطفل من عند المربية، وفي طريقنا إلى البيت مررت على البنك لأسحب مبلغاً صغيراً من المال لزوم مصاريف العودة.. تركت زوجتي وطفلي في السيارة ثم دخلت إلى كوة الصراف الآلي وأنجزت مهمتي وخرجت وحين صعدت إلى السيارة فوجئت بوجود امرأة ذات ملامح هندية مع طفلة صغيرة لا تتجاوز الأربع سنوات في المقعد الخلفي، وبدا علي ملامح الدهشة فاستدركت زوجتي التي كانت ترضع طفلها.. إنها تريد أن نوصلها إلى فرع البنك الآخر حيث سائق التاكسي رماها عند الفرع الخطأ.. قلت لا بأس طالما عندنا فضل ظهر، وهي فرصة لعمل الخير، سألتها أي فرع تريدين، قالت بطريقة الهنود حين يتكلمون اللغة العربية:
- فرع الجوهرة المخصص للنساء
- ولكن يمكنك السحب من هذا الفرع طالما أتيت إليه..
- أنا لا أريد أن اسحب، وهل مثلنا شكله عنده فلوس في البنوك..؟؟
- إذا ما هو هدفك؟
- هناك مكتب الجمعية الخيرية التي أريد أن اطلب منها مساعدة
- ولكن الوقت متأخر وربما قد أغلقوا مكاتبهم
- لقد تأخرت لأن المنطقة التي أسكن فيها من الصعب الحصول على سيارة وانتظرت ساعات حتى حصلت على تاكسي، عموما سأرى إن كانوا لا يزالون في العمل فالساعة الثانية إلا ربع.
- سأنتظرك حتى تنتهين وإن لم يكن مفتوحاً لعلي أوصلك إلى بيتك..
دخلت المسكينة مع طفلتها وانتظرتها خارجاً، قالت لي زوجتي أنا آسفة على تأخيرك أنا سمحت لها بأن تركب وقد طرقت علي نافذة السيارة وسألتني إمكانية إيصالها، رأيت أنها مسكينة، قلت لها بالعكس أنا أشكرك، من أين نحصل على هكذا فرصة لفعل الخير.
عادت المرأة بعد قليل وقالت أن مكتب الجمعية مغلق، قلت لها اركبي لأوصلك لبيتك، فركبت وهي تقول إن بيتنا بعيد في منطقة نائية جداً عن مركز المدينة، قلت لها في أي منطقة فذكرت لي منطقة زراعية بعيدة، قلت لها لا بأس سأوصلك.. في الطريق بدأت تسرد حكايتها من تلقاء ذاتها.. قالت أنها تزوجت رجلاً من هذه البلاد منذ ثلاثة وعشرين عاماً وأنجبت منه العديد من الأبناء، ولكنه تزوج عليها فيما بعد، وكبر أولادها وصاروا يعملون ولكنهم عقوها وكان زوجها يضربها، وأرتني ثقباً قديماً في يدها، وقالت لدرجة أنه أطلق علي النار وبعد ذلك لجأت للشرطة ثم طلقني، وانفصل عني وأعطاني بيتاً قديماً لي ولأولادي في مزرعة بعيدة يفتقر لأدنى مواصفات العيش، وأنا أجري على أولادي الصغار يمنة ويسرة وأطلب المساعدة من الجمعيات الخيرية..
وطلبت ترميم البيت من إحدى الجمعيات الخيرية فزاروا البيت وقالوا إنه يحتاج إلى كثير من العمل ويكلف كثيراً.. ولذلك سنجعل التلفزيون يزورك كحالة فقر خاصة كي يرى الناس حالتك ويساعدوك.
ثم قالت إن جوازها وجواز أطفالها محجوز عند زوجها.. وهو لا يقدم لهم أية مساعدة ومهمل لعائلته بالكامل.. كان البيت نائياً بين الأراضي الزراعية، وكانت تؤشر لي يمين وشمال حتى وصلنا إليه فقلت لها إني لن استطيع العودة لعدم حفظي ملامح الطريق وفعلا حصل ذلك لاحقاً حيث ضعت في الطرقات الزراعية حتى ألهمني الله لطريق أوصلني إلى الشارع الرئيسي.
البيت كان رثاً للغاية.. كل شيء فيه بال ومتسخ، والجدران متشققة والدهان متقشر.. والمطبخ يحتوي على أواني قليلة لا تصلح إلا لمكتب الزبالة.. استقبلني أطفالها وكل ملامح البؤس في عيونهم، سألت أكبرهم ما اسمك، قال لي بلهجة عربية صافية اسمي ناصر، قلت له وهل تدرس قال نعم أنا في الصف السابع، وكأنه تضايق أن يرى الناس حالته فآثرت الانسحاب سريعاً بعد أن تبرعت لهم ببعض دراهمي التي سحبتها من البنك.. قالت لي المرأة لا أريد، ولكن أريد منك مساعدة أن توصلني غداً إلى الجمعية الخيرية.. قلت لها أود ذلك ولكن لا أظنني أعرف العنوان مرة أخرى.. أخذت دراهمي القليلة الممدودة لها وقالت.. أرجوك!.. قلت لها إن شاء الله سآتي لأوصلك ولكن خذي رقم زوجتي واتصلي معها صباحاً لكي نمر عليك باكراً قبل الدوام.
22/3/2008
ويتبع >>>>: في الخليج فقر أيضاً مشاركة
واقرأ أيضاً:
أنا وجمال وجنون السكري / أفكار سوداء مشاركة / ليست هي