(3)
قالت لي: أعرف محجبات أصبحن لا يجدن حرجًا من وضع صورهن بالمايوه على "الفيس بوك"!!........ وأحد أقاربي يقول ويكرر: معي زملاء يشاهدون أفلاما جنسية، ويتحدثون إلى زوجات خائنات لأزواجهن يطلبن منهم بعض هذه الأفلام، وهذه كله يحصل مساءا، بينما نفس الزملاء صباحا لا يصافحون زميلاتهم لأن المصافحة حرام!!
وبسهولة يمكن أن ترى على الفيس بوك صفحات شخصية تحمل صورا ومقاطع من أفلام جنسية جنبا إلى جنب مع أدعية أو آيات قرآنية أو دعوات لحملة ضد رسوم الدانمرك المسيئة للرسول!!
والبعض يقفز مباشرة لإدانة هذا المشهد، والإدانة لعبة نجيدها جميعا، ولا تحتاج إلى مجهود، وفيها نوع من التكريم الخفي والإمتاع الذاتي، إنها تشبه عملية استمناء نفسي لتوكيد الذات بنقد الآخرين!
كما يشاهد المستمني صورا تهيجه لآخرين يمارسون أو يتعرون، أو يتخيلهم على الأقل، فإن هذا المستلذ بالإدانة يشاهد أو يتخيل صور هؤلاء المتخبطين في تخبطهم، وهو يداعب ذاته ويفركها وصولا إلى نقطة الإرجاز حين يصرخ من الشهوة: أنا أفضل من كل هؤلاء..... المجد لي!!
والحقيقة أن تخبط هؤلاء إنما يأتي محاولة منهم لجمع ما نشأوا وتربوا على أنه متناقضات، بينما وبالممارسة تبين لهم أنه لا تستقيم حياة إلا وفيها من هذا وذاك!!
بالممارسة وصلهم أنه لا حياة بدون جنس، وكذلك لا حياة بدون دين، وهم نشأوا على أن هذا وذاك على طرفي نقيض: البنت المؤدبة لا تفهم في الجنس، ولا تتكلم فيه، ولا تسأل عنه، ولا تهتم به، والولد الملتزم ليس بينه وبين عالم النساء أية علاقة من أي نوع، المتدينون يقاطعون الفن بكل صوره وأنواعه لأنه في أحسن الأحوال لهو مذموم يتعارض مع الوقار المؤمن، والجهاد النبيل في حياة المسلم، وعند البعض فإن الفن كلمة سيئة هي وأهلها، وكل سيرتها!!
وعلى النقيض تتمعر وجوه البعض وتشمئز قلوبهم إذا ذكر الله وحده، أو جاءت سيرة الدين أو القرآن أو الرسول أو الصلاة، فلا ترفيه إلا بفسق، ولا احتفال إلا بخمر ونساء، ولا فن إلا بمشاهد تعري فجة، وأفكار وألفاظ أكثر فجاجة، وأبعد ما تكون عن التعبير الفني المتميز، أو اللغة الفنية الناجحة عالميا.
أفلام عديمة القيمة الفنية تصف نفسها بأنها قمة الإبداع والبحث عن الحرية وتنوير الجماهير بأسلوب الصدمات الثقافية الكهربية!!!
تنوير مزيف ومغشوش يستفز محافظة وتدينا من نفس مستواه في الرداءة والركاكة، ويتغذيان على بعضهما البعض: التدين المغشوش والتنوير المغشوش!
وحين يحاول البعض الخروج من هذا الانقسام والاستقطاب والتمزق، والحروب الوهمية الطاحنة على أسئلة مغلوطة غالبا، ونقاشات بمداخل خاطئة، وجهل مركب، وغباء نادر، وتسطيح مذهل، وخلط فادح، وكذب أكثره متعمد، وتناقض فاضح، وتزوير وتزييف مستمر للحقائق، وأحيانا البديهيات، من يخرجون عن القهر والقهر المضاد، والتعصب والتعصب المضاد نكون في انتظارهم بطبول الزفة وأبواق الإدانة وصرخات التشهير الغوغائية:
يا متناقضين.. يا كذابين.. يا ملفقين!!
وما هم إلا بعض نتاج التناقض والكذب والنفاق والخداع اليومي نعيشه!!
أحسبهم أرادوا الصواب فأخطأوه!!
أقف وسط هذا المشهد العبثي الزاخر متأملا، ومتهما تارة بالتطرف من هؤلاء، وأخرى بالانفلات من أولئك، وثالثة بالتناقض أو محاولة جمع المتناقضات، أو التخبط!!!
أقول كلاما يراه المتدينون علمانيا لا يعجبهم على ما يفهمون الإسلام، ويراه العلمانيون ما زال يحمل رسالة دينية لا تعجبهم على ما يفهمون أيضا، وربما لا يعجب الأغلبية من هذه القبيلة أو تلك!!
كلام ضد الفرقة وضد المتناقضات، لكن الممزقين المقسمين إلى طوائف ويشيع يرونه غريبا وماسخا وسخيفا، والناس أعداء ما جهلوا، وأنا أصمت تارة حتى لا أخاطب الناس إلا على قدر عقولهم، ثم أتذكر دوري وشهادتي على الناس فأقول مهما كانت التداعيات أو الشتائم أقصد النتائج!!
أعرف أن هناك ظروفا موضوعية كافية وراء الاستقطاب والقبائل والتعصب والتمسك بالجهل والغباء، إذ أن كلها آليات نفسية دفاعية فرديا وجماعيا في مواجهة قسوة الأحوال، وتآكل الدولة بأدوارها، والمجتمع بوحداته!!
أعرف أن المشهد الحالي قد ساهمت في تشكيله جهود دؤوبة ومتواصلة من جماعات رعاية وتنمية الجهل والخرافات ونقص المعلومات، وتشويه الأفكار والأشخاص، وممارسات ممتدة ومستقرة جعلت كل تافه يمكنه أن ينطق في شأن العامة، والعامة يستمعون له لأن على رأسه عمامة أو لأنه يرتدي بذلة أنيقة أو في وجهه لحية، أو يسبق اسمه لقب الدكتور أو المستشار أو المفكر الكبير!!
أعرف أن تعليما سيئا، وإعلاما جاهلا، وتربية أسرية متخلفة، وتلقينا سطحيا كانت هي أدوات تكوين العقل عندنا، وأنه لا حوار ولا اكتشاف لمشكلاتنا بحق، فرديا أو جماعيا، ولا علاج ولا تكوين للتصحيح قد حصل لأغلبنا، وأعرف أن العصاب والتعصب والاختباء وراء الشعارات، أو وسط الجموع هي اختيارات إنسانية حين يشعر المرء بهشاشته وضعفه، وبأنه بلا مأوى، أو لا يركن إلى شيء أو أحد يحميه من الانسحاق تحت دبيب أقدام الآخرين ممن يشعرون أيضا بالحرمان والضعف والفزع، ويتخبطون بحثا عن ملاذ، فيكون التعصب هو السبيل، وتكون القبيلة هي الملاذ، وأعرف أن هذه كلها حلول خاطئة، وأعراض أمراض مزمنة تفتك بعقولنا ونفوسنا، وحاضرنا ومستقبلنا.
وأعرف أن محاولة الاعتدال على طريقة "قص ولزق" ليست حلا أيضا، وإن كانت اختيارا إنسانيا يزداد أتباعه، وأعرف أن الاجتهاد طريق رابع قل سالكوه، ولكنني تعودت.
واقرأ أيضاً:
على باب الله: الطريق الرابع ـ تأملات مسافر1/ على باب الله: بعض أهوال القيامة