هل يمكن أن يدفعنا الخوف من أن يتركنا الآخرون أن نعجل نحن بقطع علاقتنا بهم وتجاهلهم قبل أن يفعلوا هم ذلك؟
هل يمكن أن يدفعنا خوفنا من أن يسبب الآخرون لنا الألم أن نعجل نحن بإيلامهم قبل أن يكونوا هم البادئين؟
شعورنا بالخوف وعدم الأمان, إحساسنا بأن أقرب الناس إلينا قد تخلوا عنا دون أسباب، هل قد يدفعنا كل ذلك إلى الرغبة في عدم التورط من القرب الشديد بالأشخاص وعمل علاقات قوية بهم سواء كانت علاقات صداقة أو ارتباط من أي نوع؟
هل قد يؤدي خوفنا من الألم إلى أن نرتبط بأشخاص أو نمتهن مهن لا تتناسب مع مؤهلاتنا فقط من أجل شعورنا بأن هؤلاء الأشخاص سيكونون أحرص الناس على بقاء علاقتنا بهم لأننا ببساطه نعتبر أشخاص مميزين جدا بالنسبة لهم، هل يكفى الولاء فقط ليكون حافزا لاستمرار العلاقات الإنسانية كالصداقة على سبيل المثال دون النظر إلى الكفاءة والتقارب في الأفكار؟
كل هذه التساؤلات يجيب عنها فيلم أمريكي شاهدته على إحدى الفضائيات، الفيلم يدور حول فتى في العشرين من عمره يتمتع بعبقرية مذهلة يعمل كعامل نظافة في واحدة من أكبر جامعات أمريكا، وفى أحد الأيام يضع برفسور يدرس مادة الرياضيات إحدى النظريات الرياضية التي استعصى برهانها على هيئة التدريس بالجامعة يطرحها على طلبته، فيفاجأ بالبرهان وقد وضع على اللوحة الموجودة في إحدى ممرات الجامعة ليكتشف بطريق الصدفة أن هذا الفتى الذي لم يتلق أي حظ من التعليم الجامعي هو من قام بوضع البرهان لها، ثم يفاجأ به قد تم القبض عليه فالفتى رغم تميزه المذهل في الرياضيات والكيمياء والفيزياء، بل أنه يتمتع بذاكرة غير اعتيادية فبإمكانه أن يحفظ كتاب عن ظهر قلب بمجرد قراءته مرة واحدة، إلا أنه شديد العدوانية وقد تم إلقاء القبض عليه أكثر من مرة بتهمة التعدي بالضرب على عدد من الأشخاص وكذلك مقاومة رجال الشرطة، فيحكم القاضي عليه بالسجن.
ألا أن أستاذ الجامعة يتوصل إلى عقد اتفاق مع القاضي يقضي بوجود الفتى تحت إشرافه لدراسة الرياضيات على أن يذهب إلى معالج نفسي للسيطرة على حالة العدوان الشديدة التي يعاني منها الفتى، وللحق فأنت تضحك على تلك المشاهد التي تجمع الفتى بعدد من المعالجين وكيف استطاع الفتى التلاعب بهم جميعا فكان يقرأ كتب كل معالج قبل أن يذهب إليه حتى يحاول أن يعرف نقاط الضعف التي يعاني منها خاصة إذا ما وجد أحد الكتب التي تعرض لمذكرات صاحبها أو سيرته الشخصية حتى يقرر برفسور الرياضيات أن يعرفه على صديق دراسته والذي يعمل أستاذا جامعيا لعلم النفس لنرى كيف استطاع اكتساب ثقة الفتى الذي يظن أنه الأكثر ذكاء وعبقرية من الجميع.
ففي إحدى جلساتهم معا يأخذه إلى شاطئ بحيرة ليقول له أنت تظن أنك تعرف كل شيء بمجرد قراءتك للكتب؟ ربما إذا سألتك عن الفن لحدثتني عن مايكل أنجلو ولأسهبت في النقد لكنك لم ترَ هذه الروائع بعينيك، ولكن أنا فعلت.
لو حدثتك عن الحرب ربما لتكلمت معي عما كتب شكسبير واصفا إياها لكنك لم تمسك برأس أعز أصدقائك وهو يموت بين يديك وأنت عاجز عن أن تفعل له شيء لكنني فعلت هل تظنني أستطيع أن أعرف كم عانيت في حياتك لمجرد قراءتي لكتاب لأوليفر توست أنت تستعيض عن العلاقات الإنسانية الحميمة بعلاقاتك بالكتب، ثم ننتقل لنرى كيف أن الفتى رغم عبقريته إلا أنه يرفض أن يعمل في جامعة كمبريدج، وهي وظيفة قد ساعده أستاذ الرياضيات في توفيرها له مفضلا أن يعمل كعامل بناء مع أصدقاء طفولته لأنه يرى أنهم هم الأصدقاء الحقيقيون الذين لن يتركوه مهما حدث، لنعرف بعد ذلك أنه ولد يتيما وعاش مع أسرة بالتبني كان الزوج فيها مدمن خمور وكان يتلذذ بتعذيبه ثم في النهاية تركوه ليتنقل بين عدد من دور الرعاية.
نقطة هامة أرى أن أحداث الفيلم ناقشتها وهي حاجتنا إلى العلاقات الإنسانية الدافئة، فمهما كان خوفنا من الفشل أو من أن نتلقى المزيد من الصدمات من جراء تعلقنا بالآخرين، فليس الحل أبدا أن نحيا بمفردنا ظانين أننا بذلك إنما نحمى أنفسنا من الشعور بالمزيد من الألم.
واقرأ أيضًا:
نوفمبر العذب / حين نخشى الاقتراب من الآخرين / والنبي ما تسبني