أرسل محمد الجبالي (21 سنة، طالب بكلية التجارة، مصر) يقول:
أولا السلام عليكم وبارك الله فيكم وفى مجهوداتكم ووفقكم لكل خير. لقد كنت مهتما بما يقوم عليه موقعكم المحترم منذ فترة وقرأت قليلا في هذا العلم ومما خلصت إليه -على محدودية اجتهادي وعدم تخصصي في هذا العلم- أعني علم النفس- أن علم النفس الذي أسسه الغربيون إنما يفرغ النفس من مواطن قوتها الروحية ويكلها إلى ذاتها وحجتهم كما تعرفون هي الاعتماد الكلي على العقل والإيمان المطلق بما يصل إليه العقل على أهمية العقل فهو الفارق بين الإنسان وغيره من الكائنات وكلنا يعرف ما يعانيه الغرب في مشكلة الإيمان بالله، حتى أن فرويد مؤسس علم النفس التحليلي كان نفسه ملحدا من أصل يهودي والنفس كما تعرفون إذا تركت وحدها معتمدة على ما تصل إليه ضلت... إذ لا توجد منظومة قيمية وأخلاقية تُغَلف ما تقوم به النفس وترشدها وهذه المنظومة عندنا نحن المسلمين بحمد الله وهي الإسلام بكل ما يحمله من إرشاد إلى الفضيلة والخير ويجعل علاقة الإنسان مع النفس: إذا أخطأت أنها عاصية لله وإذا فعلت الخير أنها على الحق ولتفعل المزيد منه.
كما أن الغاية من علم النفس الغربي إنما هي النفس وليس الله، كما أن علم النفس الغربي إنما يناسبهم هم مع ما يعانونه من مشاكل عدم الإيمان والجميع يعرف نسبة الملحدين في الغرب وما يسري فيه من تيارات حداثية وسيريالية ودادية فقد نستطيع أن نقول الغرب قد فقد اليقين وحطم كل القيم....... والشك كما تعرفون أساس المشكلات فهو يجعل الإنسان كالذي بقيعة يتخبط من الحيرة يسير على غير هدى فلا يوجد هدف محدد يسعى إليه الإنسان إلى آخره مما أفرزته التربة الغربية من مشاكل وفراغ روحي تريد أن تفرضه على العالم كله بتسلطها الإعلامي والعسكري مستغلة جهل الشعوب.
والذي حدث معنا نحن العرب والمسلمين أننا كنا نقود العالم دون أن نفرض قيما على أحد والحق أنها قيم الفطرة تجذب الإنسان الصحيح ثم وقعنا فريسة الجهل والخرافة في القرون الأخيرة لأسباب كثيرة ليس هنا مجالها.... في حين كان الغرب من حولنا يحتل البلاد ويذل العباد ويفرض قيمه وشخصيته على العالم ومن شدة عزلتنا نحن عن العالم من حولنا لتخلينا عن أشياء أمرنا أن نفعلها الله سبحانه منها الدعوة إلى الله والجهاد ضد الظلم في كل مكان ونشر العدل وغيرها من القيم.
والحكم الظالم لملوك ذلك العصر أفقنا من عزلتنا على هؤلاء الغزاة الذين دخلوا بلادنا بغير استئذان لننبهر بهؤلاء الأقوياء الذين دخلوا بلادنا والأوائل من الذين درسوا في أوروبا بداية من رفاعة الطهطاوي مرورا بطه حسين وزكى نجيب محمود ورموز عصرهم من المثقفين من الذين تبنوا الفكر الأوروبي بكل حذافيره دون تفنيد ولنلتمس لهم بعض العذر لشدة ما كان فيه حالنا من جهل وضعف وفقر على عكس ما كان عليه حال الآخرين فمارس علينا تقدمهم المادي قهرا نفسيا جعلنا نقبل بكل تفسيراتهم إلى العالم ونظرتهم إلى الوجود فقبلنا منهم تقيؤهم قبول الضعفاء الأذلاء من ماركسية وفلسفة وجودية وتيارات إلحادية حتى قبلنا قبل ذلك الداروينية والهيجيلية بكل ما تحمله هذه النظريات من نظرة مادية بحتة إلى الوجود والإنسان واعتبار الإنسان إنما هو آلة فحسب دون النظر إلى حاجاته الروحية وحاجته إلى اليقين.
ولا نستثني من هذا كله العلوم النفسية بل ربما نضعها في مقدمة ما تم استيراده من الغرب كنتيجة طبيعية لانفصال الأمة عن تراثها بسبب عصور القهر وقرون الظلام وليس أدل على الفارق بيننا وبين الغرب في نظرة كلينا إلى مشكلة الشذوذ الجنسي فأطباء النفس الغربيون لا يعتبرون الشاذ مريضا فيحثونه على قبول نفسه كما هي عكس نظرة الإسلام إلى هذه المشكلة وكلنا يعرف أعداد الشواذ في الغرب ومدى الانحراف الجنسي عندهم عامة من سادية وسحاق وغيرها.
ومما يقلقني أننا أصبحنا نرث هذه المشاكل منهم وبصورة واضحة نتيجة تلك التبعية الانتحارية التي تقتل أسباب القوة في نفوس أهل هذه الأمة الإسلامية والعربية، إلا أنني أعتبر أن ما يفعله أمثالكم من عمل كريم سيعيد بإذن الله القطار إلى قضبانه وسنسلك طريقنا من جديد وليس طريق جحا إلى أذنه.
أدعو الله لكم بالتوفيق والثبات والقوة في العلم والجسم والسلامة في القلب والعقل والفكر أرجو منكم أن تردوا علي وأن توضحوا لي إن كنت مصيبا أم مخطئا وأن ترشدوني إلى مجموعة من الكتب التي تساعدني على فهم النفس البشرية والتي تعتقدون أنها ستفيدني مهما كان الكتاب.
وفقكم الله.
9/6/2008
تعليق الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي؛
الله الله الله..... وفقك الله يا ولدي وأسعد أوقاتك بانتصار الأمة ما دام فيها أمثالك... أشكرك ولي عتبٌ عليك في "الين" لماذا تسقط حرف الذال حين يجيء بين اللام والياء في الذين.... حضرتك لم تكن تكتب الذال وصححتها بنفسي!
بصراحة أنت شابٌ يفتح النفس في بلدٍ وفي زمن لم أجد فيه ما يفتح النفس منذ كثير.... بداية أتفق معك تماما وأقول لك أننا بدْءا من فهمنا لتبعيتنا الإدراكية على يد أستاذنا عبد الوهاب المسيري صاحب مفهوم ومقولة التبعية الإدراكية...... قد أصبحنا واعين إلى ما ننحدر إليه كأمة تابعة لأنها بقدرها عند الله جاهلة، وبدأنا نعلن تحيزنا لديننا في بحثنا وممارستنا للطب النفسي في علاجنا للمسلمين قدر استطاعتنا... رغم أننا مع غير المسلمين أطباء نفسانيين لا يحق لنا فرض أفكار عقدية ما على المريض.... ولكننا نقبله بدينه ومرضه كمريض.... المهم كي لا أروح بك بعيدا يا "محمد" ولا أحسن يا "جبالي"؟
المهم أن إدراكنا لتبعيتنا الانتحارية حيث ننتحر كما ينتحر الغرب (وهذه حالنا المخزية فعلا) فقط لأننا تابعوهم أينما اتجهوا هذا الإدراك نافذ وصائب ونتمنى أن يوقظ الجميع.... ولعله يدفع المزيد من أهل الطب النفسي وعلم النفس إلى انتهاج منهجنا على مجانين وغير مجانين في عملنا اليومي فيجعلون عملهم جزءًا من علاقتهم بربهم سبحانه وتعالى ويهتمون بتنمية الجانب الديني لدى مرضاهم واستغلال تلك الطاقة العلاجية الكامنة في النفس البشرية في علاج النفس الإنسانية.
نحن فعلا نستطيع ألا ننتحر كمجتمعات لو أفقنا... تخيل أنا متفائل بما يحصل في غزة رغم قسوته يا "جبالي" وأرى أن مصيبة معظمنا الكبرى هي أننا أدمنا سلوكيات تعتمد على الغرب الذي ينتحر... ولكن يا ولدي ليس كل الغرب ينتحر.... إنما هو النموذج الغربي في رؤيته المادية لعلاقة الإنسان بربه هو الذي ينتحر.... ولكن المشكلة يا ولدي أن الوعي بذلك ما يزال ضعيفا وما يزال غرور الغرب كبيرا.. وبرغم ذلك هناك خيرون كثيرون في الغرب ليس يرضيهم ما يحدث ويحاولون محاربته وإصلاح ما يملكون إصلاحه ولا بد يا جبالي ألا نتطرف في أفكارنا وأحكامنا على السابقين ولاحظ أنه لم تتح لبعضهم قراءة شيء من ثقافتنا ومنهم من بعدما قرأ أعلن تغير رؤيته وتغير فلسفته مثل زكي نجيب محمود يرحمه الله.....
الأفكار تتطور يا ولدي.... ولكل جيل عذره، وعلى كل جيل مسئوليته أيضًا وأنت وأنا وغيرنا من المجانين علينا مسئولية المعرفة بأن الوضع الحالي فعلا هو وضع تبعية انتحارية ونحتاج أن نفيق لكي لا ننتحر!
اقرأ أيضاً:
خذ عندك: وثالثة ورابعة... صفعتان وكفى؟! / الإنسان السعودي بين الأمس واليوم مفاجأة