العنوان ليس من عندي، كتبته لأنقده، أو حتى أرفضه. أكره شتم أمتنا هكذا!! بل إنني لا أرى مبررا أو فائدة حتى من سب رئيس أو مسئول كبير. هل سينصلح المسئول إذا قلنا له أنت لست رجلا؟ هل سيكف اللص الكبير عن السرقة إذا كتبنا فيه عشرات المقالات تولول أنه "امسك حرامي ابن ستين كذا..."؟ علينا أن نوظف الكلمات كي تساهم في تخليق آلية تبعد المسئول السيئ (الذي نريد قذفه من كثرة الغيظ) عن موقعه، إما بالقانون العادل، أو بالانتخاب إن شاء الله وعليك خير.
ثم ما هذه النغمة الذكورية القديمة الخائبة؟، من قال إن الأنوثة الحقيقية الواعية بحب الحياة والإبداع والحرية، القادرة على تفعيل ذلك كله، ليست هي التي تنقص أمتنا؟ ثم ما ذنب الأمة تحت كل الأحوال حتى نسبها هكذا إذا أصيب قادتها بالعنّة السياسية وغير السياسية؟
العنوان هو شطر بيت شعر للوزير الدكتور غازي القصيبي من قصيدة يقول فيها ".. يا سيدي المخترع العظيم، يا من صنعت بلسما قضى على مواجع الرجولة، وأيقظ الفحولة، أما لديك بلسما يعيد في أمتنا الرجولة"؟ جاء ذلك في صحيفة "الحياة" في صفحتها الأولى بمناسبة إقامة احتفالية: "العرب يحتفلون بالعيد العاشر للفياجرا"، احتفالا باستعادة الرجال أدواتهم الاغترابية، دون الحاجة إلى رجولة طبيعية مستثارة كما خلقها ربنا، وقد تواكب هذا المؤتمر – بفارق نصف قرن – مع تظاهرات وبكائيات: "الذكرى الستين لنكبة فلسطين"، وهي الوجه الآخر لاحتفال إسرائيل بالذكرى الستين أيضا لقيامها (هل لاحظت المصادفة!!؟) إسرائيل بلغت تعدادها بهذه المناسبة 307 مليون نسمة (في حالة مواجهتها للإرهاب، وهي دائما في هذه الحال، وذلك حسب تصريحات السيد دبليو بوش من خطابه في الكنيست: الأهرام 16 مايو 2008)، فكيف بالله عليكم نطالب العرب بمواجهة هذا العدد الحاشد المجهز بكل المال والسلاح والوغدنة القاتلة؟
يبدو أن حدسي الأدبي سبق رأيي السياسي بأكثر من ثلث قرن، فقد تداعى إلى ذاكرتي وأنا أقرأ هذه الأخبار، حوارا جاء في صفحة 234 من الجزء الأول (الواقعة) من ثلاثيتي "المشي على الصراط"، كان هذا الحوار بين بطل الرواية "عبد السلام المشد"، وبين شاب وشابة أثناء التظاهرات الطلابية الشبابية في ميدان التحرير في ربيع 1973 قبيل الحرب، جاء فيه:
قالت الفتاة:
- نحن ميتون فعلا ولا انتحار لميت
قال الشاب (لعبد السلام)
- ألا تحس يا هذا؟ كيف تستطيع أن تواجه أولادك كل صباح؟ كيف تستطيع أن تتمتع بزوجتك والبلد محتلة منذ سنوات؟
فتتوارد الخواطر على "عبد السلام المشد": "..أحسست بزهو خفي لأني لا أتمتع بزوجتي في ظل الاحتلال! وكدت أسأل (الشاب) "هل من الوطنية أن أكون عنّيناً حتى يزول الاحتلال؟.. إلخ.
(انتهى المقتطف)
ثم تذكرت ما كتبته في الوفد بتاريخ 6 يونيو 2002 بعنوان "فياجرا للتخدير السياسي"، قلت آنذاك:
"... ثم إننا لو راجعنا اللغة التي تُستعمل مع المسألة الفلسطينية لوجدنا تركيز الإدارة الأمريكية هو على ضخ المعونات، والقروض، والوعود بالخدمات دون النظر في إزالة الأسباب" (تماما مثل ضخ الدم بالفياجرا).
وأخيرا،
فقد حضرني نفس القياس بالنسبة للعلاوة الرئاسية الأخيرة، حيث خيل إليّ أنها بمثابة ضخ شوية نقود (30%) في جيوب الجوعى كإجراء إسعافي، سرعان ما انتهى مفعوله بعد يومين بالكشف عما وراءه من عجز اقتصادي كبّد الجيوب والبطون أضعاف ما ضُخ من قروش.
رجعت إلى مقالي في الوفد لأقرأ
".....العلاقة الجنسية هي لغة إنسانية رائعة، هي ليست قهرا مفروضا لتزجية الوقت. أو لإثبات الذات،..."، "...... حين ظهرت أقراص الفياجرا للمساعدة في هذا الشأن فرِح الرجال (فالنساء) فرحا شديدا باعتبارها الحل السهل الذي يمكن أن يحفظ ماء وجوه الرجال بإرضاء النساء. هذا أمر وارد في حالات طارئة مؤقتة"، ".......أما أن تكون الفياجرا هي وسيلة التواصل الإنساني باستمرار، فهذا هو الخداع الذي يقلب العلاقة البشرية الحميمة إلى ميْكنة قهرية مغتربة" ".....(وبالقياس) فإن الحل الحقيقي هو أن نستعمل الضخ الإسعافي (في الاقتصاد مثلما في الجنس) للضرورة القصوى فقط، وذلك حتى نتمكن من التقاط أنفاسنا لنتدارس سبب ومعنى العنّة الاقتصادية (أو الجنسية) المتزايدة. ثم نتحمّل مسئوليتنا".
أختم التعتعة باقتطاف شعر قديم أقرب إلى وصف منح العلاوة الأخيرة ثم سحبها، وأنا لا أعرف قائله، لكنني أعرف راويه، وهو والدي رحمه الله، قال:
فإنك إذا أطمَعتني منك بالرضا وأيأستني من بعد ذلك بالغضبْ
كمُمْكِنةٍ من كفها ضرَّ حالبٍ ودافقةٍ من بعد ذلكَ ما حلبْ
نشرت في الدستور بتاريخ 21-5-2008
اقرأ أيضا:
مؤامرة العولمة وعولمة المؤامرة / فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا / برغم كل الجاري، مازال فينا: شيءٌ ما