في الأسواق كتاب أعتقد أنه هام على عدة مستويات، ومن زوايا مختلفة... أحاول أن أقرأه!!
المؤلف هندي، والموضوع عن العلاقة بين الهوية والعنف.
ربما أعود إليه بعد أن أقرأ، لكن بالتقليب في الصفحات وجدت الرجل على إلمام بتاريخ ناصع للإسلام في شبه القارة الهندية، وتذكرت تجوالي في سمرقند وطشقند بين المآذن الشاهقة، وفي متحف تاريخ البلاد التي شهدت مسيرة مجد لدين هو أقيم ما في حوزة الإنسانية من معتقدات، وأكثرها مرونة ورحابة واستيعابا، ولكن أهله خانوه بجهل أحيانا، وبسوء نية أحيانا أخرى، فصار إلى ما نرى!!
أتوارى بدموعي حين أبكي على حالنا، ونحن نهجر القيم العليا والمقاصد السامية والجواهر الغالية لهذا الدين العظيم، ونمسخه فيصبح مثل: "الفاسوخة" بلفظ المصريين، والفاسوخة كلمة تقال للشيء الذي لا قيمة له ولا تأثير، ولكن يتواجد من قبيل استكمال المظهر أو الهيئة أو العدد!!
أي عارف بتاريخ حركة الإسلام منذ أن عاش في مكة وانتقل إلى المدينة، منذ أن ازدهر على خطا الحبيب المصطفى أعز وأروع من سارت به قدم، بلا منازع!!!
هذا العظيم الرائع البسيط المذهل الذي نخونه كل يوم وليلة، في كل كلمة وحركة وسكنة، ولا ننسى أن نتمتم بالصلاة عليه أو أن نلصق كلاما يقول: إلا رسول الله، والمعنى الحقيقي كأننا نقول: يا أهل الأرض لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكفيه ما نلحقه نحن به من أذى!!
وحين انتشر هذا الدين في أرجاء الأرض، ولا أعتقد أن نسبة معتبرة منا تعرف شيئا، عن خريطة حركة الإسلام في الأرض، ولا أحد يبدو مهتما بهذه المعرفة، فقط ترديد الأوراد، والهوس بالأشكال والطقوس!!
في الفندق الضخم الذي نزلت به ضيفا أحضر مؤتمرا عند أهلنا في الإمارات تزامن الأسبوع الأخير من معرض عن الفن الإسلامي زرته أكثر من مرة لأقف بين أنواع وأشكال الإبداع الذي دققته أيدي مؤمنة متوضئة أحبت الله والرسول والدين والحياة والجمال والفن والأدب وقررت أن تترك بصمة خالدة لمن كان له قلب فكانت ألوان الفنون المنقوشة على الحجر والأقماش والجلد والخشب والمعادن، وبالأحجار الكريمة على امتداد خريطة الإسلام زمانا ومكانا، وأتلفت حولي الآن لأرى ما يبدعه المسلمون أو يقدمونه للدنيا من وحي معتقدهم وفي عالم أصبح الفن فيه دينا، والثقافة لغة عالمية يتعاطاها الناس وينفقون فيها من أعمارهم سنوات!!
ماذا أجد أو تجدون؟! في مجال الفنون؟! ماذا نقدم للعالم في مجال العلوم الطبيعية أو الإنسانية؟!
ماذا نتقدم للبشرية في مجال السلوك الراقي أو التحضر أو التسامح أو التواصل، ونحن أهل استعياب الاختلافات، والتنوع في إطار انسجام؟!!
ماذا نقدم للعالم اليوم غير الضجيج؟!
لا أصدق من يقول أننا مضطهدون، وهذا هو سبب توقفنا عن إنتاج الحضارة، وإفادة البشر، وتعليم الإنسانية الرقي والسمو!!
في الحقيقة إننا لما توقفنا وتخلفنا تداعت علينا الأمم حين استسهلنا واستسلمنا وتنازلنا عن العزة وعن القمة وعن المقدمة تحت مطارق الغزاة، وخيانات السلاطين، وقلة فقه الوعاظ والدعاة!!!
مسيرة الهبوط واضحة لمن يريد أن يدرس أو يعتبر، ومحاولات النهضة أيضا شاهدة ونبيلة وذخيرة لمن يريد المواصلة في مناخ عالمي يحتاج إلى الإسلام بحق، ولكن إسلام المقدمة والإنتاج والحضارة والعلم والعقل والفنون والإبداع والحرية والثقافة، لا إسلام "الفاسوخة" والغيبوبة والضجيج!!!
عاهدت نفسي أن أسألها كل يوم قبل أن أنام: ماذا قدمت للإسلام في يومي هذا؟!
لو توقفنا الآن عن لوم الآخرين، حكاما أو وعاظا أو أي آخرين!! لو توقفنا عن الندب والتباكي من أجل ما فعله الآخرون بهذا الدين... وملأنا بيوتنا مرايا، ومصالح أعمالنا وشوارعنا وكل مكان نتردد عليه، لو ملأنا حياتنا بالمرايا، فقط لنرى أنفسنا ونحن نخون هذا الدين بالقلب واليد واللسان، والتهريج والسخف والقذارة التي تملأ الشوارع، وكل قول أو فعل جاء الإسلام ليبطله أو يحاربه بينما نحن عليه مصرون، وله ممارسون!!
ولو فتحنا بين هذه المرايا بعض النوافذ لنظل على العالم: كيف يعيش ويتعلم وينتج ويتقدم؟!
ولماذا وكيف وأين بالضبط يتألم ويتوجع ويعاني؟!!
بالمرايا والنوافذ، وبالمسئولية الفردية يمكن أن نبدأ مسارا مغايرا لخط الانحدار والهبوط والسقوط.
أود أن أقول لأهلي في كل بقعة من بقاع الأرض: تعلموا العربية لتفهموا شيئا خطيرا اسمه القرآن الكريم، وتعلموا تاريخكم لتعرفوا من أنتم وما هي أصولكم وجذوركم ورسالتكم ومكانكم ومكانتكم!!
وتعلموا أحوال العلم والدنيا اليوم لتجدوا لكم مكانا يحتاجكم ويناديكم ولا من مجيب!!
يا قومي هذا الشقاء الذي نعيشه ليس قدرا ولا هو نهاية المطاف، إنما هو حصاد طبيعي لوسخات تراكمت في العقول والممارسات، وآن لها أن تذهب إلى بالوعات المجاري حيث مكانها!!
قوموا اغسلوا عنكم وسخ الجهل والخرافة، والقول في دين الله بجرأة الحمقى، وأنصاف المتعلمين، ولا تسلموا أنفسكم ولا أسماعكم ولا مستقبلكم لهؤلاء ولا أولئك!!
تعلموا القرآن، والتاريخ، والعلم الطبيعي والإنساني، وانهلوا من معارف وثقافات الدنيا دون خوف، وتفاعلوا مع البشر دون وجل، فأنتم الأعلون دوما... إن كنتم مؤمنين!!
ضعوا أنفسكم في المكان الذي تستحقونه، والمرء حيث يضع نفسه!!
تقول لي أمي: شد حيلك، وروح اشتغل وعيش في المدينة، وخذني معاك!!
توقظ أعصابي كلماتها... أذوب شوقا إلى الحبيب الأوحد من البشر، أشتاق إلى أكرم جوار، لكنني أذوب رعبا حين أتخيلني بين يديه هناك يسألني: ماذا فعلتم بالإسلام يا أحمد؟!
ولا أدري بماذا أجيب!!
واقرأ أيضًا:
على باب الله: كوابيس حواء/ على باب الله: من باب الاحتياط