أفضل كلمة قالها الأنبياء والبشر، وأوصى بها الله سبحانه من يحب، فأين هي من حياتنا، وأين حياتنا منها؟!
معنى لا إله إلا الله أنه لا معبود بحق إلا الله، أي أن يكون الله سبحانه أعلى قيمة، وأهم هدف، وأسمى غاية، ودونه كل شيء.
إنها تبدأ بالنفي "لا" ثم التحديد "لا إله"، ثم الاستثناء "إلا الله"، لا حكم ولا معيار ولا تقدير ولا توجه ولا عبادة ولا خضوع ولا إذعان إلا لله وحده لا شريك الله.
والله سبحانه هو أغنى الشركاء عن الشرك، ومن أشرك معه أحدا أو شيئا أوكله إلى هذا الشريك، ولا يبالي ذو الجلال والكمال والجمال بمن أشرك أو بما أشرك!!
وأمة تنسى"لا إله إلا الله"، أو ترددها قولا ولا تستوعبها فتضبط بها الخطوات والخطرات والخطط والقيم والممارسات، بشر لا يعرفون "لا إله إلا الله" هم محض سابلة تعيسة تسير كقطيع بلا هدف ولا هوية يترنح في تيه طويل، وليل بهيم، وبيداء مقفرة، ولا يبالي بهم الله في أي أودية الدنيا يهلكون!!!
"لا إله إلا الله" بوصلة حياة لا يستغني عنها فرد مؤمن، ولا جماعة تبغي الرشاد، ولا مجتمع يتساءل حول حاضرة ومستقبله، تبحث عن مكان أو سبيل بين الأمم!!!
ولا أستسهل ولا أبالغ ولا أفرط في التبسيط إذا قلت أن غياب "لا إله إلا الله" عن حياتنا هو مدخل للشرور والانتكاسات والهزائم والسخائم.
وحين تغيب نعبد كل شيء وأي شيء إلا الله، ونظرة بسيطة حولنا سنرى الأصنام وقد عادت، والجاهلية وقد نصبت خيامها براياتها الحمراء، وأسواقها وقيمها ومعاييرها، فهل من فائدة عندئذ إذا رددت الألسنة "لا إله إلا الله" بينما القلوب والعقول والحياة كلها تسير على غيرها!!!
تتوارى "لا إله إلا الله" ومعانيها ومقتضياتها في وسط طوفان المادة وضجيج التطلعات وبريق الدنيا وزخرفها، وربما تحاصرها الفاقة، ويخنقها في الصدور يأس أو قنوط أو قسوة تشدد ما أنزل الله به من سلطان، ولكن رهبانية وخبل يحلو للبعض فيبتدع، والقطيع يتبع!!!
تتوارى "لا إله إلا الله" فيعبد الناس المظهر والشكل، والدرهم والدينار والقطيفة والسيارة والبيت والمزرعة ويتحول الدين إلى أشكال وأقنعة وممارسات لبعض الوقت بلا عمق ولا جذور ولا بناء ولا كثير أثر!!
"لا إله إلا الله" هي حصن دفاعنا ضد الذوبان في عالم تحاصره المادة وتستعبده، ضد أن نتحول إلى مجرد مستهلكين نتكالب على سلع لا تضيف إلى حياتنا غير المزيد من التشويش، والمزيد من المطالب والزخارف والتطلعات!!!
"لا إله إلا الله" هي صمام الأمن الذي يحول دون تقديس الأشخاص أو الهيئات أو المؤسسات، وهي الملاذ الأكيد والوحيد للفرار من تأليه السوق أو عبادة المال أو الدوران في فلك النجوم والمشاهير والأصنام المنصوبة في عالم اليوم المزدحم.
وهي صيغة الاتحاد ضد العنصرية والتمييز بين البشر على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الطبقة لأن الله هو خالق الكل، وهو الذي جعلهم مختلفين متنوعين ليتعارفوا ويتعاونوا ويكونوا دلالة على وحدانية خالق عظيم خلق فسوى، وقدر فهدى، وأبدع الاختلاف فلا ينصلح حال بشر إلا بالتفاوض والتواصل والحوار، ولا يسير نظام كون إلا باحترام وتعاون وتبادل ومشاركة!!
"لا إله إلا الله" تعني أن كنيسة لا تحمل هذا الدين، ولا كهنوت فيه ولا أسرار مقدسة ولا تراتبية مؤسسة تحتكر الحقيقة، وتمنح الغفران أو اللعنة!!
إنما تعيش معاني "لا إله إلا الله" بقلوب وعقول وممارسات بشر يفهمونها ويتمثلونها ويتحركون بها بناءا للتجمعات، وفلسفة العيش، وقيمة لحياة آدمية كريمة تليق بخلق الله الواحد، وأمة أتباعه، أو من يدينون بدين الحق فيظهره على الدين كله.
"لا إله إلا الله" هي أمان كل خائف على الرزق أو الأجل، أو الطامح إلى توفيق وسداد، والساعي في الأرض يبغي الخير، ولا يجد من يحميه أو يرعاه أو يعرف له فضله!
هي إطلاق لكل قوة الخير بداخل الإنسان دون انتظار للمقابل، أو البحث عن غنيمة عاجلة تبرق ثم تنطفئ في ضجيج الزخرف الدنيوي الزائل.
"لا إله إلا الله" هي الصبر والثبات والسلوان لمن يرجو وجه الله وحده لا شريك له ثم يجد الناس من حوله مثل فضلات أفرزتها الحياة المادية بعد أن ابتلعتهم واستهلكتهم وألغت عقولهم فصاروا أبناء الدنيا.
كنت أسير في شوارع الزقازيق أمس مثل من يخطو في بلاد العجائب من هؤلاء؟! أين أنا؟!
فتيات يرتدين ألبسة لا يستطيع المرء تصنيفها، فهي ملفتة بألوانها وتصميمها وبهرجها ثم هي محسوبة حجابا رغم أنها ليست سوى غطاء، ولكن مزخرف وزاعق ويدعو إلى متابعة الجسد لا أن يصرف البصر عنه كما هو أصل الحجاب!!
لا تعرف هل هو حجاب أم تبرج؟! ولا تعرف عرب هؤلاء أم عجم أو إفرنج!!
وشباب يتجمعون بالعشرات على النواصي بلا هدف ولا خطة ولا برنامج غير متابعة الرائحات والغاديات اللائي تجهزن أصلا للمتابعة، وظهرن في عرض أزياء مفتوح!!
ما البديل لهذا التبديد؟! لا شيء يبدو في الأفق غير استمرار نزيف الوقت والعقل والجهد فيما لا طائل من ورائه في أمة تخنقها أمراض الجهل والتخلف، ويفتك ببعضها جوع قاتل، وتعيش مسغبة مهلكة في أجزاء منها كما تعيش تخمة مريعة في أجزاء أخرى!!
والكل ينظر إلى الكل، ويتكلم عن الآخرين كما يتكلمون عليه، ويغرق في صراعات تافهة ومعارك صغيرة أو يسعى إلى مكاسب رخيصة في مقابل إهدار قيم كبرى أو حتى تفاصيل إنسانية تنزوي في هكذا مناخ، حين تسود عبادة التقاليد أو كلام الناس أو المظاهر الفارغة!!
وتختلط على الناس الألوان والأصوات والموضات والدعوات، ويتخبطون بين الدروب، ويرتدون عشرة أقنعة حتى ترضى عنهم الأذواق والعيون المترقبة المتناقضة، ويكذب الكل على الكل!!!
وأود أن أقف وسطهم لأقول: كونوا أنفسكم ـ فقط ـ كما تريدون وتشعرون، وكما ستقابلون الله يوما، ولا تستغرب إن صدقت الله وانسجمت مع نفسك، وهجرت هذا الجنون الذي يسميه الناس الحياة، وما هو إلا محض جنون مطبق على الأنفاس والأرواح!!
إذا هجرت هذا وابتعدت عنه ستجد نفسك وحيدا فلا تستوحش من قلة الخلق يكفيك الأنس بالقليل من الفاهمين الغرباء عابري السبيل مثلك!!
يكفيك رب الناس، ويكفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدا ومرشدا ورائدا على درب يقل سالكوه يوما بعد يوم.
ولا تبالغ في شتم المسلمين وهم في محنتهم هذه إن فهمتها أنت أصلا، واستطعت أن تفلت من قبضة مصائدها، وتلابيس أبالسة الجن والإنس فيها!!
بل تفهم محنة المسلمين في غبائهم المركب، وجهلهم منقطع النظير، وانسلاخهم عن فهم عصرهم ودورهم ودينهم!!
استشعر المسئولية عن نفسك وعن هؤلاء الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!
تذكر "لا إله إلا الله" ولا تنسى قياس كل شيء أو شخص أو فعل أو قرار أو خطوة تنويها بهذا المقياس لتنضبط خطواتك ويتضح أمامك السبيل، ويقل شقاؤك!!
لا تقلق من بحث الناس ومن استرشادهم يستدلون ويحاولون ويتحرون الصواب وسط ضوضاء من يفتون بغير علم، ويريدون التيه تيها!!
لا تندهش إذا وجدت من المسلمين من يعبد غير الله، أو يعبد إلها مختلفا عن الله الذي ستعرفه وتحسه إذا تحريت الحق والصدق والتجرد في "لا إله إلا الله".... وأقم وجهك للدين حنيفا واستقم كما أمرت، لا تنحرف ولا تتكلف ولا تكذب لترضى هذا أو ذاك، إنما هو إله واحد، وكل شيء هالك إلا وجهه، فلا تعبد ولا ترجو سواه.
واقرأ أيضًا
على باب الله: من باب الاحتياط/ على باب الله: أبناء المسيري