مجموعة من الأصدقاء أخذوا على عاتقهم خوض تجربة تعليم طلبة المرحلة الإعدادية الدستور والديمقراطية وحقوق المواطنة. وكنت دائما ما أردد في مواجهة اليائسين الذين يرون في النضال المدني حرثا في البحر أن الأوضاع في مصر ميئوس منها حقا ولكن أملها ربما الوحيد في الأجيال الجديدة التي انفتحت على العالم وتلقت علوما وأفكارا خارج مجتمعاتنا المستبد بها. وبالطبع لست خبيرة في العملية التعليمية لذا كان دوري معنويا ومساندا ومروجا لفكرة مشروع "اكسب حقك".
وعندما تحدد المعسكر التعليمي للمشروع كنت في غاية السعادة لأنه سيجرى خلال شهر أغسطس موعد إجازتي السنوية لذا سأكون متفرغة تماما للمساهمة الفعلية. فخططت مع الزملاء للأمسيات الفنية واكتشاف المواهب والمحاضرات حول استقلال القضاء وأهداف الألفية التي دعت إليها الأمم المتحدة من مكافحة الفقر والحفاظ على البيئة وغيرها. واخترنا متخصصين على أعلى مستوى رحبوا بالمشاركة دون تردد. وقد بهرني برنامج المعسكر الذي اختار للتصفيات أساليب مبتكرة لفرز الروح القيادية والغيرية والتعاون ومساعدة الضعيف وقبول الآخر المختلف.
وقررت أنني سأحضر مع الطلبة كل الفصول كي أتعلم "ديمقراطية". كما أعددت لبرنامج تلفزيوني عن المشروع والطلبة والمسابقة الوطنية لاختيار الطالب الديمقراطي على مستوى المدارس المشارِكة. لكن يا فرحة ما تمت. بعد الحصول على كل الموافقات الإدارية و"الأمنية" من وزارة التربية والتعليم في يوم 28 يوليو فوجئنا بخطاب عاجل من وزارة التربية والتعليم يوم 30. برجاء "التعلم" وليس العِلم. هكذا جاءت الصيغة من وزارة التربية والتعليم (هاهاها) برجاء التعلم بأن إدارة الأمن قد أوقفـت المعسكر. خبر نزل علينا كالصاعقة في خضم العمل والتحضير. وهكذا فإن هذا الرفض النهائي كان تتويجا لمسلسل طويل من الملاحقات الأمنية للمشروع تشبه لعبة القط والفأر ولعبة الاستغماية.
بدأت بالاعتراض حرصا على سير "العملية التعليمية" فكان أن أجلناها حرصا على العملية المذكورة. ولأنها استغماية قررنا ترك القاهرة بالكامل وأداء النشاط في إطار معسكر صيفي بسيط في الإسكندرية ولكن الرفض الأمني طاردنا إلى ساحل البحر في اللحظات الأخيرة بعد كل التجهيزات والترتيبات ووجع القلب فعدنا للقاهرة حيث واجهنا الرفض الأمني النهائي وقررنا أنه أفضل حل لمستقبل الأولاد هو تمضية الإجازة جلوسا على قهوة كتكوت للشرب الشيشة ولعب الطاولة انتظارا لإعلان الحكومة التلفزيوني بتاع "قوم شفلك شغلانة".. ونشبع كلنا.. والكلام ده!! لقد أفقنا على بلاهة وسذاجة هذه الدولة التي لا تدرك أن في هذه الأنشطة حماية لها من غضب شعبي يتزايد ويتفاقم فيمنعون أية قطرة خير لتقدم مجتمعنا ناهيك عن إهدار الأموال. وظلت صديقتي إنجي تردد.. نحن نعرف والمدرسون يعرفون ولكن ما هي الرسالة التي يريدون توجيهها للطلاب؟.
لذا أقول للحاج نبيل من طنطا مشاهدي الدائم الذي تمنى لنا التوفيق في حلقتي الأخيرة قبل الإجازة، إن المعسكر "بِخْ" يا حاج، ولكن طالما خرجت فكرة إلى النور لا تستطيع جيوش العالم أن تمحوها وبعد أن أدرك الشعب بكل فئاته وطوائفه أن لا سبيل لرفع معاناته إلا بالإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان، فإن كل محاولات القهر وإسكات الأصوات المطالبة بالإصلاح لن تزيد الناس إلا إصرارا على المطالبة بحقوقهم ومقاومة مشروع التوريث الذي يدفع الحكومة إلى التغطية على الفساد وممارسة كل أنواع الاستبداد وإغلاق جميع نوافذ الحرية.. وسأظل أردد كالصلاة "اكسب حقك" فهكذا أنا وهذا إيماني.
واقرأ أيضاً:
مين يخاف من مين؟/ ماذا لو أصبحت رئيسة للجمهورية؟