يوم جديد مرهق، بدأ باضطراري لتغيير ملابسي الأمريكية المظهر المريحة والتي تتماشى تماماً مع الحذاء الرياضي الذي كنت أرتديه، بعد أن تمزق القميص المربعات "الكاروه" الذي كنت أرتديه بعد أن "اصطاده" مسمار خبيث في حجرتي وقبل نزولي بدقائق.
هتفت لنفسي: يبدو أن المثل القائل يا مستعجل أخرك الله صحيحاً!
كنت مستيقظة متوترة، وزاد هذا الموقف من توتري.
كانت وجهتي هي مكتبة السفارة الأمريكية لإجراء بحث بقواعد البيانات والإنترنت هناك، بخصوص رسالة الدكتوراه التي (تورطت فيها)، فعلى الرغم من حداثة الموضوع وما يبدو عليه من تميز في هذا إلا أنها مشقة عظيمة أن أجد مادة علمية تفيدني في بحثي هذا الذي يجب أن يكون مميزاً حتى يستحق الحصول على الدرجة العلمية.
لم تكن المرة الأولى التي أذهب فيها لمكتبة السفارة الأمريكية، ذهبت من قبل كثيراً وتحديداً خلال عامي 1999 و2000، والحقيقة أني استفدت كثيراً جداً منها وساعدتني المكتبة فعلاً في اجتياز امتحان TOEFL بأعلى مما هو مطلوب مني بفضل الله. وهذا ما شجعني للذهاب ثانية للاستعانة بها في هذا المأزق الذي وضعت نفسي فيه "موضوع الرسالة غير المسبوق"، لكنها كانت زيارة مختلفة تماماً عن سابقتها! لقد كانت زياراتي السابقة قبل 11 سبتمبر 2001 ، وما أدراك ما هو 11 سبتمبر!!
أولاً يلاحظ المار من جوار السفارة الأمريكية ترسانة أمن غير معتادة أمام أي سفارة أخرى، مع غلق الشارع الواقع به السفارة أمام المارين بمتاريس ولا يسمح إلا بالمرور من ناحية واحدة تكفي لمرور شخص واحد، يقف على هذا المدخل رجل أمن "في الغالب ضابط مباحث" في زي مدني ويمسك اللاسلكي في يده، مما يسمح له بإيقاف أي مار وسؤاله عن سبب سيره في الشارع أو يطلب الإطلاع على بطاقته الشخصية كما يحدث أمام جامعة الدول العربية تماماً من ناحية نايل هيلتون! وحمدت الله انه لم يوقفني فقد كنت متوترة جداً ولست في استعداد للتعامل مع أي رجل أمن حتى ولو بإعطائه بطاقتي!
مررت بسلام ولله الحمد، بدون مضايقات، وأنا أتأمل أعداد المنتظرين على الرصيف المقابل من باب السفارة والطالبين الفرار من المجتمع المصري بطلب فيزا الدخول لأرض الأحلام-أقصد الأوهام – الأمريكية! وقد شعرت بمرارة وأنا أخطو هذه الخطوات وأنا أتأمل أبناء بلدي الفارين هؤلاء وقد افترش بعضهم الرصيف منتظراً التعطف الأمريكي بالحصول على شرف دخول الأراضي الأمريكية!
نفضت عن نفسي هذه المشاعر السلبية وأنا أخطو ناحية الباب، فأوقفني رجل أمن للسفارة هذه المرة طالباً تحقيق الشخصية وهذا لم يحدث معي قبل 11 سبتمبر طبعاً، لم يسمح لي بالدخول إلا بعد التدقيق في البطاقة الشخصية التي قدمتها له، وبعد أن سألني عن سبب حضوري للسفارة، استدار لرجل آخر يجلس خلف شباك زجاجي وطلب منه فتح الباب لي قائلاً: دخلها المكتبة.
وعند المدخل الذي لم يتغير كثيراً منذ أن كنت هناك آخر مرة، استوقفتني موظفة الاستقبال طالبة مني تليفوني المحمول وأصرت على إغلاقه، قلت لها أنا صحفية وقد يأتيني تليفون عمل مهم يمكنني أن أغلق جرس التليفون حتى لا تفوتني مكالمة، فرفضت في حزم! ثم سألتني معك FLASH MEMORY ؟ أجبت بالإيجاب فطلبتها مني، فاستنكرت قائلة: لكني أحتاجها بالداخل لنقل المادة العلمية عليها من المكتبة! أجابت في حزم مقتضب: ممنوع استخدام أجهزة المكتبة بهذه الصورة! فأصابني إحباط أو قولوا صدمة اندهاش (أعرف أنها دواعي أمنية ولكنها حقاً سخيفة).
أعطيتها ال FLASH MEMORY في استسلام، ثم فتشت حقيبتي، وعند دخولي من البوابة الالكترونية "بدون الحقيبة والتليفون المحمول" أصدرت البوابة صفيراً مزعجاً فانزعجت جداً الموظفة متوترة وكأنني إرهابية تحمل أسلحة أو متفجرات وهتفت بي في حدة: لحظة لو سمحتِ. ومررت جهاز كشف المعادن على جسدي كله، حتى اطمأنت أن سبب الصفارة هو الحلي التي أرتديها!
تنفست الصعداء وخطوت نحو المكتبة، داعية الله أن يوفقني في بحثي وأجد ما أنشده، مدركة تماماَ ومن أرض الواقع أن أحداث 11 سبتمبر فعلاً غيرت العالم كما يقول السياسيون!!
وفي المكتبة وجدت صعوبة في الحصول على أي بحث في قاعدة البيانات التي وجهتني لها مديرة المكتبة، فتوترت أكثر ولاحظت هي توتري فأخبرتني أنني لن أصل لشيء بهذا التوتر ومعها كل الحق طبعاً.
غابت للحظات فجلست في انتظارها أمام منضدة الإطلاع ورفعت وجهي أتأمل المكان الذي مر عليه 7 سنوات منذ آخر زيارة، فاصطدمت عيناي بوجه جورج بوش القبيح وهو يبتسم ابتسامته المنتصرة المغرورة، فتخيلت دماء أخوتي من أفغانستان والعراق غزيرة تسيل من أنيابه في تدفق، وبجوار صورته أخرى لوزيرة الخارجية الأمريكية كونديليزا رايس بابتسامتها الصفراء المستفزة، فلم أستطع منع نفسي من النظر إليهما بقرف شديد مع تصاعد حدة توتري لاضطراري للانتظار في مواجهة هاتين الصورتين الكريهتين!
كنت أجلس عن نار ملتهبة حتى يمر الوقت وأمضي بعيداً عنهما، وحتى تأتي مديرة المكتبة من جديد لإكمال البحث الذي أتيت من أجله.
عادت وأعطتني موقعين للدخول عليهما مجاناً من منزلي لجامعة ميتشجان وميريلاند موضحة انه يمكنني تحميل رسائل علمية كاملة منهما مجاناً فكدت أطير محلقة في السماء من الفرحة، داعية الله أن أجد فيهما أو في إحداهما ما أسعى إليه، وطلبت مني العودة يوم الاثنين 18 أغسطس للحصول على نتائج بحث آخر تجريه، ولم تفلح محاولاتي معها أن تجري البحث يومها، فقالت أن وراءها عمل كثير ولن تجد وقتاً إلا يوم الاثنين فوافقت فليس أمامي حل آخر.
خرجت من السفارة بعد ساعة نصف تقريبا متمنية أن تفيدني (ماما أمريكا) هذه المرة كما أفادتني من قبل، محاولة إسقاط صورتي بوش ورايس من ذاكرتي!
واقرأ أيضًا:
يوميات ولاء: بحب السيما... وأنا كمان / الناس جاعت / يوميات ولاء: سرطان الروح وأشياء أخرى