أرجو أن تصبر عليّ فلست كئيباً إلى هذا الحد. كنت أسير يوماً أحمل في يدي رواية لنجيب محفوظ فالتقيت بزميل قديم، وبعد التحية ابتسم قائلاً: أما زلت تقرأ؟.
بادلته الابتسامة وأجبت: للأسف!.
تناول مني الكتاب وهو يغمغم: أرني ما بيدك.
وما أن تناوله حتى صرخ كمن مسته كهرباء: ما هذا؟ نجيب محفوظ! أستغفر لله العظيم.
فزعت وسألته: ما الأمر هل ضبطوه متلبساً؟!.
أجاب مستنكراً: كيف تقرأ له؟ إنه علماني.
- علماني؟
- نعم علماني، هذا شيء معروف.
- سألته ببراءة: وهل قرأت له؟
- لا، كيف أقرأ له وهو علماني؟!
- ومن أين عرفت أنه علماني؟
- الكل يعرف أنه علماني.
- ولكنك لم تقرأ له فمن أين عرفت أنه علماني؟
- بالتأكيد لن أقرأ له أبداً.
- لماذا؟.
ضحك لسذاجتي وعدم معرفتي ببواطن الأمور وأجاب: لأنه كما قلت لك علماني.
واستمر هذا المزيج الرائع من البلاهة والسذاجة، والحمد الله أني لم أتجرأ وأسأله وما هي العلمانية؟!. ومرّت سنين، كنت جالساً وسط مجموعة من الأفاضل وجاءت سيرة نجيب محفوظ فصرخ متحذلق منهم أنه فاسقٌ لعينٌ، اضطرتني حدته إلى أن أتجرأ وأسأله: لماذا؟.
- أجاب: ألم تر فيلم كذا وفيلم كذا؟.
- سألته: وما الذي لم يعجبك في الفيلم؟ هل وقاحة الممثلة أم جرأة المخرج؟.
- أجاب: العيب الأساسي في القصة بالتأكيد.
- وهل قرأت القصة لتقارن بينها وبين المعالجة الدرامية.
- بالطبع لا، وكيف لي أصلاً أن أفكر يوماً أنّ أضيّع وقتي في هذا العبث؟!.
- إذن ماذا تقرأ؟.
- ارتد بكبرياء إلى الوراء وهو يجيب بفخر: لمعلوماتك أنا أعشق القراءة على الرغم من أني لم أقرأ كتاباً قط! ولكني أحب التعرّف على معلومات جديدة في كافة المجالات دون أن أضيّع وقتي في أي ترهات.
وبعد مناقشة طويلة أصابتني بالصداع مع هذا الشخص الذي أعرف جيداً أن لديه من الوقت ما يكفيه ليحصل بجدارة على لقب "صايع" ولديه من المعلومات ما يؤهله ألا يعرف العلاقة بين العقل واللسان!
تذكرت قصة صديقي القديم وقلت وأنا أومئ برأسي بالإيجاب لأنجو من هذا العبط:
- فعلاً الحق في جانبك، من الأجدر بنا ألا نقرأ لنجيب محفوظ لأنه ... علماني!!.
اقرأ أيضاً:
أبو بثينة وابنها / أوهام الكهف / غريزة الألم