هذه المرة سيمكنك إن شاء الله أن تدخل المسجد الأموي وتراه من داخله، هكذا كنت أقول لنفسي عندما فاجأني صوت ربان الطائرة وهو يعلن أننا على وشك الهبوط في مطار دمشق وأن درجة الحرارة خارج الطائرة 42 درجة مئوية! ما هذا؟؟! ليس طبيعيا أن تكون سوريا بهذا الحر... خير... كانت الساعة حوالي الخامسة وكنت أعرف أن منظمي المؤتمر العربي الحادي عشر "الآثار النفسية للعنف: الصحة العقلية المبرهنة بالدليل Psychological Consequences of Violence Evidence-based Mental Health " قد أعدوا لنا استقبالا رسميا وبالتأكيد وسيلة انتقال من المطار.... ومن المؤكد أن قاعات فندق شيراتون ستكون مكيفة!
عندما وصلت إلى شيراتون وجدت الرجل الذي تابعني صوته على المحمول على مدى الأيام قبل المؤتمر وأثناء الرحلة حتى أشعرني اهتمامه المفرط بالحرج، وجدته واقفا وكله يبتسم... أهلا د.عبد الرحمن وتعانقنا عناق الأخوة، كانت هذه أول مرةٍ أراه فيها رأي العين رغم أنه واحد من مستشاري مجانين منذ أواخر سنة 2006 بصراحة –ما شاء الله- هو أحلى من صورته بكثير.... وعرفت بعد قليل أن الجلسات العلمية للمؤتمر قد نقلت من شيراتون إلى مدرجات كلية الطب جامعة دمشق لأن قاعات شيراتون لن تتحمل عدد المشاركين.. وكان واضحا أن الإقبال كان مفاجئا للأخوة في سوريا.... وحقيقة كان الزحام مستمرا طوال أيام المؤتمر (الخميس 20-السبت 23 أغسطس 2008).
بقي الدكتور عبد الرحمن إبراهيم في بهو الفندق يستقبل القادمين من مصر ومن تونس ومن العراق والسعودية واليمن وفلسطين والأردن وليبيا والجزائر وباكستان وتركيا..... وبعد صلاة المغرب بقليل ظهر د.أديب العسالي رئيس المؤتمر ولم أكن أعرفه قبلا وإن حكى لي دكتور عبد الرحمن كثيرا عن المجهود الخرافي الذي قام به الرجل لتصبح إقامة المؤتمر ممكنة.... وخرجنا بعد ذلك لمأدبة عشاء علمنا من الدكتور العسالي أن د.عبد الرحمن أعدها لنا وغني عن البيان ما للسوريين من باع لا تطاول في فن الطهي والتقديم... كان عشاء فخما إيذانا ببداية غير رسمية للمؤتمر.
وفي الصباح نقلتنا حافلة المؤتمر إلى كلية الطب فقابلت الزميل د.نديم شعبان المشمش وهو سوري من العاملين في انجلترا كنت قد التقيت به من قبل في مؤتمر البحرين سنة 2006 ويعرف كم يبلغ شوقي لزيارة سوريا.... أهلا يا وائل نورت سوريا... وتعانقنا وعرفته بابني أحمد الذي صحبني إلى سوريا مكافأة مني على تفوقه في الثانوية العامة... ووسط مجموعة من السائلين وجدت د.عبد الرحمن واقفا وقد تعرق وجهه بشكلٍ أعرفه عندما أنظر لنفسي في المرآة وأنا أشعر بالسخونة... هذا المستشار إذن يتعرق بنفس طريقتي.. لم يكن معهودا أن تشهد سوريا مثل هذا الحر...
وبعد لقاءين إذاعيين رأيت ابني الأكبر د.ملهم الحراكي وإلى جواره عروسه وقد تعارفا من خلال مجانين هي اختصاصية نفسانية وهو أحد مستشاري مجانين وأنشط مستشاريها من سوريا الحبيبة.... شاركت في ردٍ له وقام بالتعليق عليه ومن عالم مجانين إلى عالم الواقع انتقل المستشار والمشاركة فأصبحا عروسين بارك الله فيهما ولهما ورزقهما رزقا صالحا...
كنت في ساحة العرض ما أزال وكان أول ما لاحظته أن شركات الدواء السورية كانت في المقدمة وكانت هي الغالبة وهي الأنشط.. وهذا مختلف عن الحال في مصر بكل تأكيد....... واضح أنهم ينتجون معظم العقاقير الحديثة من مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب وبمختلف التركيزات... ووجدت بين عارضات الشركات الوطنية تلك هناك ثلاث لوحات لشركات أجنبية ولفت نظري وجود أشكال من العقاقير غير متوفرة في مصر منها مضاد اكتئاب على شكل أقراص تذوب في الفم ومضاد ذهانٍ حديث في شكل حقن قصيرة المفعول... سألت ما هذا؟ هذه الأشكال غير متوفرة في مصر لماذا؟ وعرفت بعد ذلك أن القانون في سوريا يحظر على الشركات الأجنبية إدخال أي مستحضر إذا أنتج المستحضرُ من قبل شركة وطنية فتكون الوسيلة الوحيدة للشركة الأجنبية لتتواجد في السوق السوري هي إدخال العقَّار في شكل استخدام جديد! –ناس عندهم ذكاء اقتصادي وعزة وطنية- والله يرحمك يا مصر!.
كانت معي محاضرة عن وسواس الشذوذ عنوانها: هل هو شذوذ غير منسجم مع الأنا؟ Is It Ego-Dystonic Homosexuality وهي المحاضرة التي قمت بإعدادها قبل موعد انعقاد المؤتمر بقليل جدا وأرسلتها عبر البريد الإليكتروني لد. أديب العسالي عله يستطيع إيجاد مكان لها إذا أعجبته، أو فسأكتفي بمحاضرة عن مقياس أعراض الوسواس القهري... فكان رده: المحاضرة مهمة وموضوعها جديد ولكن ليس أي مكان بالبرنامج نحن مع الأسف لم نتمكن من قبول كثير من الأبحاث التي فاقت ما توقعناه عددا وعلمية... وعندما قابلته صباح أول أيام المؤتمر قال لي تستطيع إلقاء محاضرتك في هذه الجلسة قاعة "أ" وبالفعل ألقيت المحاضرة... معتذرا في البداية عن كون موضوعها مختلفا عن موضوع الأبحاث المقدمة في الجلسة والتي دارت حول العنف المنزلي وآثاره النفسية.... ووجدت بفضل الله كثيرا من الاستحسان والنقاش والجدل حول تعريف الوسواس وخبرات الزملاء المؤيدة لخبرتي التي نبهني لها موقع مجانين كما ذكرت على الموقع في مقال: الشذوذ الجنسي والوسواس القهري: وسواس المثلية
لم ينتبه د.أديب... وكنت آتيا من مصر غير منتبه! إلى أن موعد إلقاء هذه المحاضرة كان هو نفسه موعد إلقاء محاضرتي الأصلية عن إعداد مقياس أعراض الوسواس القهري في قاعة "ب"... وللرجل ألف عذر في ذلك وليس لي أي عذر... على كل أنا لم أنتبه إلى ما حدث ولا نبهني أحد إلا في صبيحة اليوم الثالث للمؤتمر وهو الموعد الذي كنت أظنه موعد محاضرتي الأساسية... المهم سنعود لليوم الثالث.. ولكن دعونا نكمل اليوم الأول.
كان علي بعد أن أنهيت محاضرتي أن أرجع إلى الفندق لأصطحب أحمد ابني إلى الغذاء وتطوع د. نديم بأن يصاحبني بسيارةٍ معه عرفت أنه استعارها من ابن خالته بارك الله فيهما ليستخدمها خلال إقامته في دمشق... ونديم رغم أنه سواح أي كثير السفر إلا أنه ضيع الطريق مرتين لأنه لا يحفظ الطرق في دمشق فقد كان آخر عهده بها سنوات الدراسة في كلية الطب وبالطبع قضاها ماشيا... إلا أن الوقت الأطول في الطريق كان فرصة للاستمتاع بالحديث معه وبتكييف السيارة فقد كان التعرق سيد الموقف في المؤتمر.
وبعد العصر كان د.عبد الرحمن في موعده معي في الفندق ليأخذنا إلى الأسواق الدمشقية لنكون تحت تصرف السيد أحمد وائل وكان له ما أراد ورد فعله فعلا يا "بابا" بضائع سوريا رخيصة ومتميزة... وكان علينا أن ننجز قبل حفل الافتتاح الرسمي الذي انعقد في قلعة دمشق ومن فضل الله أن وجدنا طريقا للدخول بالسيارة ولم نترجل إلا قليلا..... وفي الساحة الكبيرة لقلعة دمشق كان التجمع الكبير وألقيت كلمات الافتتاح الرسمي ثم عزفت فرقة أوركسترا الجيش السوري عدة مقطوعات متنوعة وبعدها كان حفل الاستقبال والعشاء الخفيف وبعدها أخذنا د. عبد الرحمن مرةً أخرى إلى الفندق لنبيت ليلتنا الثانية في سوريا.
ويتبع >>>>>>>: شكرا سوريا مؤتمر مختلف2
واقرأ أيضاً:
الإنسان السعودي بين الأمس واليوم مشاركة / شذراتٌ في الحال والأحوال1