في 30 أغسطس 2006 كتبت في هذه الزاوية بعنوان "الحرب والجدية والاستسهال"، عثرت على هذه التعتعة أثناء بحثي عما سبق أن كتبته في هذا الموضوع، دهشت لأنني وجدت أنني كتبت كل ما كنت أود أن أكتبه اليوم، ما الحكاية بالضبط؟
شعرت بخيبة أمل بالغة، وقدرت أنني لو لم أعثر على هذه التعتعة لكتبت ما سبق كتابته بالحرف الواحد، هل أعتب على الزهايمر الزاحف في الخفاء؟ كيف نسيت ما كتبت هكذا؟
لكن إذا كان عذري هو هذا الاحتمال الذي يسمح به سني، فما عذر القراء وأنا واثق, وأراهن أن أحدا منهم لا يذكر تلك التعتعة أصلا، ربما لأن كل ما يكتب ليس له أي أثر باق، وكل وظيفته –على ما يبدو – تنتهي عند التنفيس، أو المشاركة من الوضع متفرجا، أو الاحتجاج على غموض الموضوع، ثم يروح كل واحد في سبيله، الكاتب يعيد الكتابة، والقارئ يعيد المصمصة، والحكومة "طناش".
هممت أن أقوم باختبار عملي لهذا الاحتمال، "أن أحدا من القراء لن يكتشف التكرار إذا نشرت التعتعة القديمة بالحرف الواحد"، قلت لنفسي: والله فكرة، ولها فائدة أخرى هي أن أوفر وقتي أنا أيضا، إشمعنى أنا؟ ألست من هذا الشعب؟ وبالتالي فلا ضير عليك (ما زلت أحدث نفسي) أن تعيد التعتعة نفسها، فجأة ضبطت نفسي أمارس نفس الاستسهال الذي بدأت الكتابة لأنهى عنه، راجعت نفسي قائلا: إذا كانت المسألة هي استسهال هكذا حتى أسارع بالنزول إلى البحر تهدئة لزحف الزمن إلى جسدي وفكري، ورشوة لأجدادي المائيين، ("كل من انفصل عن أصله، يطلب أيام وصله")، وإذا كان ما سبق أن كتبته لم يصل منه ما يدل على جدوى الكتابة أصلا، لم يصل لا إلى مسئول، ولا إلى طالب، ولا إلى أسرة، ولا إلى الابن إبراهيم عيسى نفسه. أنا واثق أنه لو كان قد وصل إلى وعي الابن الصديق إبراهيم، وظل يتذكره، وهو المتحفز أبدا لتعرية سلبيات شعبنا بالحق والباطل مثلما يعري الحكومة وأكثر، لكان أمر بمنع نشر هذه الدموع في الدستور بالذات على أيام متعددة متتالية هكذا، ولأقدم على تعرية هذا الحوار السطحي المغرض الجاري على أدنى مستوى من المسئولية بين عواطف رخوة، وحكومة راشية مهزوزة.
كتبت في التعتعة القديمة ما يلي:
"كنت مشاركا في برنامج تليفزيوني... صرح فيه سياسي رسمي متحمس، (من لجنة السياسات)،...، أن السياسة هي "العمل على إرضاء الجماهير"، وبجهلي المعتاد حاولت أن أجتهد فقلت: بل إن السياسة هي "فن أو علم تحريك الجماهير لصالحهم.
لكن بمرور الزمن ثبت أن كلامه طبعا هو الأصح، (كما أثبت الواقع حتى سايرته المعارضة أيضا)، أليس مسئولا في لجنة السياسات؟
وصلني بعض مضى كل هذه السنين أن "الميل" الخاص، بي الذي ينشر كل أسبوع في الدستور مع التعتعة، هو بمثابة ديكور لا أكثر، حيث أنه لم يصلني عن طريقه أي تعليق منذ سنوات، فقررت أن أنشر نفس التعتعة في "موقعي الخاص" بعد نشرها في الدستور بيومين (يوم السبت من كل أسبوع)، فجاءتني تعليقات دالة على ما نشرت هنا من أسبوعين ورأيت أن أقتطف من هذه التعقيبات (مع ردي عليها) ما يلي :
هالة حمدي البسيوني
"حتى الامتحانات لو كانت صعبة، فالمشكلة في التصحيح وتوزيع الدرجات".
الرد:
طبعا لا، لا أوافق.
هي ليست مشكلة التصحيح ولا توزيع الدرجات، هي مشكلة أننا لا نعرف معنى الامتحان أصلا ولا وظيفته، فضلا عن أن الصعوبة هي على "ناس ناس"، وهذا هو ما يثير "الناس اللي تحت"، وهذا ما عنيته بغياب العدل،... كما أن المعارضة انتهزتها فرصة للتمادي في التهييج وكأنها قضية سياسية، في حين أن الحكومة راحت تتراجع وتعتذر بخيبة بليغة، فضاعت كل القيم في بركة عواطف رخوة، وعمى حيسي.
إسلام إبراهيم أحمد
"دموع الآباء تعطي الأبناء مبرراً للفشل؟ بدل أن يحملوهم أكثر شرف التحدي وتحمل المسئولية".
الرد:
طيب ودموع الأبناء والبنات؟ ودموع المعارضة ومحزنة المستقلين، لم يبق يا إسلام إلا أن يصوروا دموع الوزراء والسيد الرئيس –بطيبته المعروفة- يأخذهم في حضنه الواحد تلو الآخر يواسيهم ويشكر لهم تأثرهم بآلام الشعب المسكين ووقفتهم بجواره في مأساة البطالة والإسكان ورغيف العيش وسلوك الشرطة وارتفاع الأسعار وغياب الدولة.
وربنا كريم، يلطف بنا وبهم، "وكل من له نبي يصلي عليه".
نشرت في الدستور بتاريخ 16-7-2008
اقرأ أيضا:
الامتحانات، وقيمة اسمها / تعتعة سياسية: قصيدة اسمها: عبد الوهاب المسيري / تعتعة سياسية: تألّم: الصورة تطلع حقيقية