حينما استيقظت لصلاة الفجر لم أكن أتخيل أبداً أنني سأبدأ يومي بجلسة خاصة جداً وشاعرية جداً مع النيل، نهر النيل العظيم.
ولأنني مجنونة و"مطرقعة" فما يخطر ببالي أفعله طالما ليس حراماًُ ولا عيباً، وعليه فما أن جاءت الساعة السابعة حتى قررت ترك عملي الذي ينتظرني أمام شاشة الكمبيوتر ومشروع الدكتوراه الذي أعمل به منذ أكثر من عام – ولم ينته بعد- تركت كل هذا ولبيت نداء رغبة اشتعلت بأعماقي أن أغادر بيتي متوجهة لـ"حبيبي" الرقيق الحنون...النيل!
ما أجملك يا نيل!
ما أروعك يا نيل!
وبصراحة شديدة لم أعرف قيمة هذا النيل وعظمته وعطاءه المتجدد إلا حينما سافرت لأربع دول أوربية، وشاهدت أشهر أنهار أوربا، السين بفرنسا في قلب عاصمتها الساحرة، والدانوب والراين بألمانيا الجميلة.
وكل هذه الأنهار التي يتغنى بها الأوربيون أشبه ب"ترعة" صغيرة بجوار نهرنا العظيم! الذي لا نعرف قيمته جيداً، ولا نعطيه حق قدره بل نتفنن في تلويثه وإهدار مائه بلا ضابط ولا رابط.
وعشقي للنيل بلا حدود والذي ساق قدماي لساقية الصاوي بالزمالك حيث تطل على النهر (وهذا اسم أروع قاعة بها)، عشقي هذا جعلني أناجي معشوقي في حب وأُسِر له بمكنون عقلي وقلبي، وأتنسم عبيره في سعادة.
ويفاجئني مركب بسيط وقديم ولدهشتي تقوده امرأة وهو يقطع صفحة النهر ببطء شديد يتناسب مع ضعف المرأة الواضح، ويرافقها في المركب امرأة أخرى تصطاد بانهماك جاد صنعه البحث عن لقمة عيش شريفة في مجتمع يطحن مواطنيه!
أدركت مع مرورهما أمامي –هاتين المرأتين- أني لا أستطيع أن انفصل عن هموم هذا الوطن حتى في أكثر لحظاتي شاعرية ورومانسية مع "حبيب قلبي".... النيل. ثم يخطف عيني مركب تجديف يقوده أربعة من الشباب تأملتهم للحظات حتى غادروا المشهد أمامي وهم يسيرون بسرعة معقولة. وهذه طيور جميلة تحلق على ارتفاع محدود من النيل ، وأنا أحب الطيور جداً جداً جداً.
ولو كنت "حيوانا" لاخترت أن أكون عصفوراً أو طائراً كي أحلق بحرية عالياً في السماء بلا قيود أرضية خانقة مفروضة على البشر الذين مهما بلغ شأنهم يسيرون على الأرض، أما الطيور التي تُسَبِح ربها فهي تبدو حرة تماماًً مالكة للسماء رشيقة منتعشة مقبلة على الحياة. تستيقظ قبل البشر تسعى لرزقها متوكلة على خالقها تغدو خماصاً وتعود بطاناً، وشرَّفها رسولنا الكريم بالذكر في حديثه الشريف.
وأعود إلى النيل المتدفق الذي يهب لنا الحياة، أذوب فيه في حُلم أصبح عزيزاً وسط صراعات الحياة التي لا تتوقف.
أتنهد شاردة في جمال النيل، وصفحته الرقراقة الناعمة وأظل متعلقة بروحه الفياضة، متأملة في صمت قدرته الفائقة على تحمل كل أذى البشر الحمقى الجاهلين.
وما أروع الطبيعة! وهي تعمل في صمت وصبر كي تصفي أرواحنا من المادية الخانقة القاتلة لكل إبداع وإنسانية.
أعشق الطبيعة لحد الجنون وأهيم بها في كل حالاتي، ولا أشبع أبداً من التوحد معها في سيمفونية خالدة تسمع ألحانها كل نفس مُحبة للجمال. والكلام عن النيل لا ينتهي حتى لو أفرغت قلمي من حبره، وملئت أوراقي بالحروف والكلمات، فبيننا قصة حب خالدة لن تنتهي أبداً.
واقرأ أيضًا:
يوميات ولاء: أنا وبوش ورايس! / يوميات ولاء: سرطان الروح وأشياء أخرى / يوميات ولاء: ليلة لا تنسى