"إطلع بقى يابن الكلب"
ما هذا؟ يا فتاح يا عليم، الساعة لم تصل الثامنة صباحا، والهواء منعش برغم حر أمس، والشمس علت بأكثر مما توقعْ، الموج الناعم يتراقص فوق سطح البحيرة التي تصبح كل يوم أنظف فأنظف بعد أن اتسعت فتحاتها على البحر، فراح يغسلها كل صباح، ثم يظل يمشط شعرها بحنان طول النهار، ويعقصه بالليل. يداعبها ويحتويها، يأخذ منها، ويعطيها، فتثق فيه، موجُهُ يتسرب إليها، لا يقتحمها دون استئذان، فتحتضن موجه بكلـّها، وهما يتبادلان الأدوار، لموجها المقتحِم زخم آخر، وطعم آخر.
"قلت لك اطلع كفاية كده يا وسخ إنت وأخوك"
ما هذا؟ هنا؟ هكذا؟ ما هذا الصوت الخشن النشاز، التفت حوله فلم يجد إلا كومة من السواد يتحرك داخلها كيان بشري غالبا؟، هل يمكن أن تكون هي مصدر ذلك الصوت؟ متأكد هو أنه صوت رجل، الطفلان اللذان كانا يلعبان في الماء خرجا مبللين يعدوان نحو الكومة السوداء، ثم يتجاوزانها، هو يسمع عن مثل هذا التخفي المسهـِّل لبعض شؤون الرجال، وأحيانا شؤون النساء، لا يوجد مبرر للتخفي هنا، من المؤكد أنها امرأة مهما خشُن صوتها، هو يعرف نساء صوتهن هكذا، كانت أمه تسخر من "خالتي زينب" حين تعود من السوق وتنادي عليها بصوتها الأجش أن تفتح، لعجزها عن أن تدق الباب لأن يديها مشغولتان بما اشترت.
صحيح أن المكان غير مناسب لهؤلاء الناس، لكن هؤلاء الناس يحضرون مبكرا جدا، ويدفعون الرسوم. أصحاب المكان الذين استولوا عليه من الطبيعة لمجرد أنهم يملكون مبان حجبت الطبيعة عن الناس، لا يستيقظون قبل العصر، ولا يوجد قانون معلن هنا يمنع فرط التغطي، ولا فرط التعري، ربما يصدر بعد قانون المرور إذا زادت الحوادث والضحايا، ضحايا ماذا؟ ضحايا كل الجاري.
"سياسة هذه أم اقتصاد"؟
قفز السؤال إليه وهو يطالع عناوين صحف أمس بعد أن أخبره رجل الكشك أن الوقت مبكر بالنسبة لصحف اليوم. حمد الله أنه لا يفهم لا في السياسة ولا في الاقتصاد، إذن لماذا عاد السؤال إلى ذهنه الآن؟ لا يوجد حوله ما يبرر ذلك، لكن ماذا يفعل وهو يحمل هم البلد عاجزا.
"ملك أم كتابة"؟
طيب، ما الذي جاء بهذا السؤال الآخر؟ القُـُرعة؟؟! طيب، قرعة على ماذا؟ على من يأخذ الجيش الأبيض على رقعة شطرنج الحزب الوطني!! ما المناسبة؟ مباراة أمس لم تكن في الشطرنج، كانت مباراة كوتشينة، مرابعة، الواد يقش، الورق بتلاتين والبصرة بعشرة، وقد كسب عشرتين متتاليتين، مع أنه تنازل عن أن يحسب بصرة الكومي بعشرين حين بصّر به بسبعة سباتي، وحسبها بعشرة فقط، طيب هل التوريث بصرة لأنه لا توجد ورقة أخرى على الأرض؟؟ فيها ماذا؟ وعلى المتظلم أن يلجأ إلى الله؟
"نورس أم حدأة"؟
... ذلك الذي لاح بعيدا في الأفق وكأنه وُلِدَ للتو من رحم السماء، وهل هناك فرق بين النورس والحدأة؟ محصلة بعضها.
فجأة تذكر الحوار الذي التقطه أمس من تحت الشمسية المجاورة، وظل عالقا بوعيه، ثم ها هو يطل من ذاكرته دون استئذان، هي التي بدأت وقالت له: "يبدو أنني أحبك"، فرد بثقة، "بل أنت تحبينني بلا أدنى شك"، قالت له "أنت مغرور غبي، إن قولي لك "يبدو" لهو أصدق ألف مرة من حكاية "بلا أدنى شك" ", نظر إليها بفرحة غير متوقعة، وقال وهو يكاد يحتويها بعينيه: "يبدو" ذلك.
سارع ينادي على بائع الفرسكا محاولا ألا يسمع بقية الحوار، وحين اقترب البائع عدل عن الشراء، وسأله: كم الساعة؟ فرد البائع مغيظا أنه ليس معه ساعة، مع أن الساعة كانت تلمع في يده، أما لماذا ناداه، ولماذا عدل عن الشراء، فلأنه يحب الفرسكا، لكنه تذكر تلبك أمعائه أمس وقد عزت زوجته ذلك إلى رمرمته التي تدل على أصله، وتربيته!! ولم يسألها: هل فرسكا هي نسبة إلى الفـُرس، حسب حروفها الأولى خطْـفَا، أم إلى "أمِيرِكَا" حسب المقطع الأخير، ووقعها الموسيقي بالياء؟ طيب وهذا الذي يجري علينا وحولنا وفينا: هل هو "فرسكا أمريكاني" وهي تخوفنا بفرسكا إيراني، وأين فرسكتنا نحن؟
أثناء عودته للمنزل، مرّ من جديد على كشك الصحف، ولم يخجل من بلل جسمه. وصلت صحف اليوم، نفس عناوين أمس، وفجأة جاءته الإجابة على السؤال المؤجل، فقال لنفسه بيقين:
"هي سياسة واقتصاد معا،
قال: وهل هناك فرق وقد خربوهما معا؟
ثم تساءل: طيب، ما الحل؟
قال بصوت مرتفع ليصدق نفسه: الحل في الفروسية وليس في الفرسكا.
وابتسم للبحر،
فابتسم له البحر قائلا: "يبدو" أنني أحبك
نشرت في الدستور بتاريخ 30-7-2008
اقرأ أيضا:
جدوى الكتابة: بين دموع الشعب ونفاق الحكومة / تعتعة سياسية: تألّم: الصورة تطلع حقيقية / تعتعة سياسية: إني لو لم أولد مصريا...!!