"الزور" هنا هو "الحلق" أي البلعوم، ولا أعرف غير المصريين يسمون هذه المنطقة في الإنسان "زورا" بضم الزاي!!
ولا أدري إن كانت هناك علاقة في تسميته ووظيفته؟! بمعنى هل سماه المصريون كذلك لأنه منطقة قول "الزور" أي الكذب والبهتان الذي حذر الرسول منه صلى الله عليه وسلم، وقال في حديث شهير عن أكبر الكبائر فجمع عقوق الوالدين، والشرك بالله، وكان متكئا فجلس ليقول: وقول الزور، وشهادة الزور، وظل يكررها حتى تمنى الصحابة لو أنه سكت!!
وتقف في زوري ـ تصريحات تكررت مثل أن ما نعيشه من مآسي هي غضب من الله أو عقاب منه سبحانه، وأشعر أنها نوع من تمييع المسائل، وضرب على وتر قريب وحبيب إلى نفوس المصريين، ولا بأس عندهم من التجاوب مع تداعيات كلام يلومهم هكذا بالجملة، ويخاطب شعورا بالتقصير والذنب مبهم أصلا وكبير بداخل كل منهم، ولكن سؤالي وتأملاتي عن معنى هكذا تحليل، وجدوى هكذا كلام!!!
مبدئيا أراه إطلاق حكم عام لا يحدد مسئولية ما واضحة، ولا يربطها بفاعل وفعل، ولا يصف أيضا توابع ولا خطط علاج معينة، والخلاصة أن هذا كلام من نوعية "فض المجالس" الذي يشبه قولنا "ربنا يولي من يصلح"، أو "ربنا ع المفتري والظالم وابن الحرام"، وهو كلام لا يكاد يختلف عليه اثنان، ولكنه يمر دون تأثير يذكر!!
ما هي حدود أو معالم مسئولية كل واحد منا ومساهمته فيما يجري؟!
هل العزوف عن المشاركة في الانتخاب أو التصويت على قرار أو قانون عبر الاستفتاء العام هو دور المواطن بحيث يستحق ما يقع عليه لأنه لم ينتخب الأصلح أو لأنه لم ينتخب أحدا حين لم يذهب ولم يشارك؟!
كيف يمكن أن يشعر كل منا بالعار الشخصي الخاص حين لا يقوم بما هو مطلوب منه على صعيد العمل أو الأسرة أو الصالح العام؟!!
وكيف يعرف ويوقن أن هذا التهاون والإهمال إنما يستدعي غضب الله سبحانه ولو صلى وصام، وزعم أنه مسلم!!
كيف تشعر امرأة بوخز الضمير وهي تقضي عمرها في القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال؟!!
كيف يحس أحدنا بالوجع وهو يترك مقعدا في قطار أو مرحاضا في مسجد أو مكانا في منشأة عمومية، وقد ترك آثارا تدل على قذارة وحيوانية وقبح نفسي دون أن يرى أن هذا يستدعي غضب الله سبحانه، مسلما كان أو غير مسلم؟!!
كيف يمكن أن يستحي إنسان أو يتردد قبل أن ينجب أطفالا للحياة، وهو أجهل من الدواب بصدد رعاية طفل أو تربية إنسان ليكون إضافة للكون وساكنيه؟!!
كيف يتأكد لدينا أن غياب اللوائح والنظم والمعايير والتقاليد المهنية الضابطة للعمل في أية مؤسسة هو من أسباب غضب الله سبحانه لأن هذا الغياب يعني الفوضى وتضييع مصالح الناس، وإذا كان ثواب قضاء حوائج الناس والقيام على شئونهم بما يعينهم يحمل في طياته ثوابا يعدل أكثر من الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، كما في الأثر، فإن تضييع هذه المصالح وتعطيل تلك الشئون يحمل من غضب الله ما لا يطيق أحدنا، ولكن لا أحد يلتفت ولا أحد يهتم غير بركعات وصلوات لا تفيد أحدا غير صاحبها، إذا أفادته أصلا، لأنه ليست كل صلاة كاملة الأركان الشكلية مقبولة عند من لا ينظر إلى الأشكال والأجسام، ولكن إلى القلوب والأعمال!!
ومن يفسد حياته وحده ليس كمن يفسد حياة أسرته كلها، وليس كمن يفسد حياة بلد أو أمة من الناس، لا يتساوون ولا أرى أن أحدا يشعر بتأنيب أو ألم غير مشاعر عامة مبهمة لا تدفع إلى إصلاح، ولا تنجز على الأرض تغييرا يذكر!!
بل إن مفردات حياتنا اليومية كلها تقريبا متروكة للعشوائية والتخبط فلا علم ولا تخطيط ولا برامج ولا تعليم يرشد من يريد أن يعرف كيف يصنع في أي شأن من الشئون!!
كيف يختار ويتعامل ويتعارف ويتواصل لإقامة أسرة ناجحة سعيدة؟!!
كيف يقرأ أو يبحث عن معلومة سليمة؟!!
كيف ينظم أفكاره ليحدد موقفا بعد استشارة نافعة، واستخارة ملهمة؟!!
كيف يكتشف ذاته وعيوبه ويعمل على تغييرها، وبناء إنسان أفضل؟!
كيف يربي أطفالا؟! كيف يدير مؤسسة؟! وكيف يبتكر حلولا لمشاكل تقابله في حياته مع جيرانه أو أقاربه؟! كيف يفكر بشكل مستقيم ومنتج؟!
هذه أسئلة بلا إجابات ولا مناهج متاحة، وبينما القضايا السياسية العامة يخوض فيها الهواة من السياسيين على المسرح وتحت الأضواء، ويهرفون عن جهل أو رعونة غالبا، فإن الشئون الخاصة هذه متروكة لهواة آخرين هم حفنة من الوعاظ والمغامرين الذين يمتلكون جرأة الخوض فيما لا يعرفونه ولا يسبرون غور أعماقه إلا مقالا من هنا، أو كلمة من هناك!!
والناس تعيش عالة على هذا الإنتاج المتواضع تشاهد دراما ركيكة، وتتعلم تعليما يشبه عدمه، وربما عدمه أفضل!!
وتغرق في مظالم مؤسسة على الجهل والرعونة وسوء التصريف، ويأتي أحدهم ليقول أن حياتنا هكذا لأننا بعيدون عن منهج الله، ولا يقول لنا كيف ابتعدنا، وفي ماذا؟! ولا كيف نرسم خارطة عودة؟!
أغنياء يكاد الضجر يقتلهم، وفقراء يقتلهم الفقر، وتيه تتعثر فيه خطواتنا، وبدلا من وصف الداء وتشخيصه، والبحث الجاد عن دواء تركيب بتفاصيله وخطوات تنفيذه ما زلنا نستسيغ الكلام العام، وضباب الحكاوي والأماني والأحلام!!
واقرأ أيضًا:
على باب الله: حلم الطلوع/ على باب الله: رمضان حالة