شذراتٌ في الحال والأحوال1
السلوك الأول الذي يجب عليك تعلمه الآن هو أن تلتقط النظارة كلما رأيتها على المكتب أو على لوحة مفاتيح جهازك... لتضعها على وجهك تحفظ بها عينيك المجهدتين.... الحمد لله الذي مكنني في الأيام الأخيرة من أن أترك النظارة دائما على المكتب أو على لوحة المفاتيح.... حمدا لله أنني لم أحتج النظارة قبل الأربعين وأنني استخدمت عيني فيما رأيته يرضي الله أكثر من غيره... هكذا كنت أحدث نفسي في محاولتي الالتزام بلبس النظارة وأنا أمام الجهاز –نظارة لضعف نظر عادي الحدوث في من تعدوا الأربعين من العمر- الحمد لله رغم الضرار الذي أعرض له عيني ساعات أمام الحاسوب أمامي وعن يميني ... وفي جو مصر الكظيم وأنا أردُّ على جوها بنفث الدخان وعيناي محمرتان سنين أمام مجانين... -شفانا الله من إدمان النيكوتين وحفظ أبصارنا من كلل متابعة النصوص الإليكترونية اللهم آمين-.... رغم ذلك حفظ الله قوة إبصارنا لله الفضل والمنة..... أصبحت والله أشعر بالشوق للقراءة والكتابة من وعلى الورق... ولا أدري كيف سآخذ نفسي من متابعة جهاز على اليمين وجهاز أمامي إلى اليمين جعلنا الله من أصحاب اليمين.
أخاف كثيرا بينما تشرح أ.رفيف الصباغ على نطاق الوسواس القهري علاقة الشيطان الرجيم بمفهومه الديني كما في الإسلام، فمفهوم الشيطان مفهومٌ قديم، لأنهُ موجودٌ -وإن كانَ بصورةٍ غير واضحةٍ- في معظم الديانات البشرية القديمة كقوةٍ مسئولة عن الشر بوجهٍ عام، وهوَ موجودٌ في الديانة اليهودية وفي الديانة المسيحية أيضًا، إلا أن مفهوم الشيطان لم يظهر بشكلٍ واضحٍ كما ظهرَ في الإسلام، ولا كان هناكَ ربطٌ ما بينَ الوسوسةِ وبينَ الشيطان قبل الفهم الإسلامي..... إلا أنني أخاف وهي تشرح آلية دور الشيطان في الوسواس القهري وربطه بالناقل العصبي السيروتونين أخاف أن يفهم أننا نشرح آلية عمل الشيطان... وهنا نكون وقعنا في خطأ كبير لأن دور الشيطان في اضطرابات نطاق الوسواس القهري أوسع بكثير من أن يفهم بالرجوع إلى عاملٍ واحدٍ حتى ولو كان هو السيروتونين.....
ظللت حقيقة أتلكأ ولا تواتيني الشجاعة لأكتبَ رأيا كالذي تقول به رفيف وأدعمه بما لديَّ من ملاحظات تشمل علاقة الوسواس القهري بالشيطان وروافد تثبت فكرة نطاق الوسواس القهري كأحد روافد نطاق تمكن الشيطان من الإنسان.... لكنني عبرت لبعض خاصتي من الأطباء وأساتذة الفقه وأصوله عن فكرتي كثيرا وكم سرهم ذاك ودعوني لكتابته ونشره، ولكنني ما زلت أرجئهُ حتى تكتمل الصورة فأعرضها كاملة وأقول ساعتها ورزقي على الله: رحم الله أياما كنت أضمرُ فيها الكلام حتى يختمرَّ في رأسي، وحتى لا أتهم بالخروج على غرور الجماعة الطبية المسلمة -فيما يتعلق بالمستوى الأكاديمي لعلمهم- فأصيرَ مارقا من حظيرة العلم المادي الحديث، وما أكتبه إنما أكتبهُ متحيزا لديني وقومي، وأهل لغتي التي لا أستطيع الحياة اليوم خارجها.... والبقية تأتي.
عندما دعيت إلى المؤتمر السنوي الأول لقسم الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر والذي عقد يوم الأربعاء 15 أكتوبر بالقاهرة... وكانت الدعوة لأقدم لهم بعضا مما لدي عن العلاج المعرفي السلوكي لمرضى الوسواس القهري... وطفقت أجهز العرض الشرائحي لما أود قوله ووجدت أنني سأقف للمرة الثانية في مؤتمر للأطباء لأدافع عن إرث الفقهاء في موضوع الوسواس القهري.... وواقع الأمر أنه من العجيبِ في رأيي أن جميع أطبائنا النفسانيين رغم علمهم بأن الوساوس ذات المحتوى الديني تمثل حوالي 60% من الوساوس في مجتمعاتنا العربية أي أن أكثر من نصف المرضى يعانون منها... رغم علمهم بذلك فإنهم لا يرون في الفقه الإسلامي مصدرا مفيدا في العلاج النفساني لمرضى الوسواس القهري.. وقد لمست وتأكدت من خلال سماعي للتاريخ المرضي لمرضاي الموسوسين أن دورا كبيرا ما يزال يقوم به الفقه الإسلامي ومعرفة شيخ المسجد أو الأب أو العم أو الأم أو الأخت أو غيرهم بأحاديث رسول الله في مسائل كحرمة الإسراف في الوضوء وحكم الشك في خروج الريح أو غير ذلك... وملخص ذلك الدور يأتيك من قول أحدهم أو إحداهن.." نعم يا دكتور قضيت فترة عصيبة أوسوس في كذا إلى أن عرفت الحكم الفقهي فيه من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. وبصراحة بعدها تمكنت من تجاوز هذا النوع من الوسوسة... إذن فالمجتمع الإسلامي ما يزال يعالج بعضا من الوسوسة بما لديه من إرث كريم رضي معشر الأطباء من العرب والإفرنج أو أبوا!!.. أنا لا أستطيع إهمال هذا الجانب مثلما لا يستطيع صادق إخفاء الشهادة.. رزقنا على الله.....
كان غريبا في مؤتمر علمي لواحدة من كليات الأزهر الشريف أن أعنون الشرائح الأولى في تاريخ علاج الوسواس القهري بسؤال: كيف تعامل الفقهاء مع الوسواس القهري... وليس من الأمانة العلمية أن أبدأ بالموجود في المراجع الغربية بأن أول علاج ناجعٍ للوسوسة كان بعد تجربة فيكتور ميير عن التعرض ومنع الاستجابة القهرية... وأقول لمن لا يرى ذلك منطقيا (أي أن فقهاءنا الأولين كانوا يعالجون الوسواس القهري).. إذا كان ضعفاء الفقه اليوم أو فقهاء الأمة الضعيفة أمتنا يعالجون عددا غير قليل من الوساوس قبل أن تصلنا كأطباء نفسانيين فما بالكم بفقهاء القرون الأولى للإسلام؟؟... ويستطيع كل طبيب نفساني إذا أراد أن يسأل مرضاه عن تاريخهم المرضي في الوسوسة مثلا في الوضوء أو الصلاة أو الأفكار التشكيكية إلخ...
وبينما أنا أعرض الشرائح علا صوت أحد أساتذتي التحليليين قائلا: أنا ضد أسلمة العلوم! ومن الجهة المقابلة ردت عليه زميلة لم أعرفها وأنا أيضًا فلنصبر ونرى... تابعت العرض الذي كنت مضطرا لإيجازه.. فأوجزت من المترجم الذي يستطيع كل واحد في الحضور أن يقرأه في نصه الأصلي بينما يصعب للأسف أن يقرؤوا ما قاله الفقيه!... وبينما أنا مستغرق في العرض قامت أ.نانسي نبيل رئيس تحرير مجانين بتوزيع المطوية الجديدة التي أعددناها للدعاية لمجانين... وبهذا عرفت أن بعضا مما أقول سيسكت عنه لأنه كلام مجانين!!. بالمناسبة ما رأيكم في هذه المطوية؟؟؟
فاجأني في ليلة من ليالي العمل في عيادتي بعدما انصرف الجميع وبقيت لأنجز بعض الأشياء لمجانين.. كنت مرهقا بعد انتهاء يوم عادي من أيام العمل المعتادة... وألفيت لدي رغبة غريبة في الاستلقاء قليلا على سرير المرضى لأريح رقبتي وظهري وباقي عظامي وفعلت... وبينما أنظر للسقف فاجأني أن دائرة سوداء في جانبها بياض خفيف كما في الصورة يبدو مقتطعا من الصورة أو شيئا غير مكتمل يماثل الهلال... الغريب أنني لم أفهم بسهولة ذلك ما هذا؟ المفترض أنها واحدة من مصادر الصوت في السقف أي سماعة ولكن لماذا شكلها هكذا وكأن شيئا فيها غير مستوٍ أو في غير مكانه..... يا ترى يظنها المرضى زينة مقصودة؟ أظن لا فلم يكلمني أحد منهم أبدا في ذلك رغم أنني كثيرا ما أمازح المستلقي لأسأله كم عدد المربعات في السقف الذي ترى؟ وغالبا ما يخطئون العدد أو يضحكون وأحيانا أسألهم مستفزا: كم رِجْلاً للدجاجة يا ترى؟... وهكذا... لم يسألني أحدٌ أو يعلق على هذه الصورة التي لا بد رآها جل مرضاي... ربما لأن بقع التكنولوجيا أصبحت معتادة للعيون... يبدو أنني أنا من لديه مشكلة مع بقع التكنولوجيا تلك...
واقرأ أيضًا:
شكرا سوريا مؤتمر مختلف4 / الإسكندرية من 5 إلى 7 نوفمبر 2008