0 المفروض أن واحداً مثلي، أتيحت له فرصة الكتابة المنتظمة في صحف سيّارة لعدة سنوات، أنه كلما حلّت مناسبة، أسهم في المشاركة فيها برأي أو رؤية أو ذكرى أو أمل أو ما شابه، حين حلّ رمضان هذا العام لم أجد في نفسي جديداً أضيفه لما قلته عبر سنين عدداً، ومهما كانت تفاصيل الذكرى أو طرافة الموضوع، فقد كنت أبدأ بالتنبيه إلى ذلك التسويق التبريري السطحي للصيام، والذي يساهم فيه الزملاء الأطباء مساهمة مسيئة لكل من الصوم والعلم على حد سواء، فأدعو الله أن يغفر لهم حسن نيتهم وهم يزعمون أن الصوم يعالج ضغط الدم والسكري والنقرس والبدانة المفرطة وحب الشباب... إلخ!!، وأنبه بلا طائل إلى أن خطورة مثل ذلك على كل من العلم والدين بلا حدود. الصيام عبادة، لا تحتاج إلى تبرير أو تفسير، والعبادة لها وظائف كثيرة عبر التاريخ، نعرف بعضها اجتهاداً، ولا نعرف أغلبها إلا نتائجاً تقريبية، العبادة إما أن نمارسها أو لا نمارسها، لا أكثر ولا أقل. ولم أجد أبداً صدىً لما أقول، فعدلت أن أساهم في المناسبة، آملاً أن نتيقن من أن الأصل هو أن نصوم لأن ربنا قال صوموا، لا أكثر ولا أقل، وهو يجزي به.
0 طيّب، أدع رمضان هذا العام، وأكتب في قيمة الإنسان المصري، خصوصاً بعد التعتعتين اللتين نشرتهما هنا بتلاحق مزعج، الأولى: "إني لو لم أولد مصرياً.."، أما الثانية فكانت رداً على ما وصل للناس من التعتعة الأولى من مظنّة تبرير عدم الانتماء بعنوان "لوددت أن أكون مصرياً"، تذكرت ذلك حين حضرني سؤال عن حقيقة قيمة الإنسان المصري في نظر الحكومة حتى تدعوه إلى أن يحافظ على حياته (كقيمة) بتلك الصورة الجديدة فوق علبة السجائر؟، ذلك أنه حضرت إليّ مجموعة ظريفة من قناة فضائية جداً لا أعرف اسمها، واحضروا لي علبة سجائر وعليها رسم ذلك الأخ المواطن المصري الطيب الذي يحتضر، وسألوني عن رأيي في التأثير النفسي لهذه الصورة على المدخنين، وكنت قبل ذلك أبتسم كلما رأيت عبارة، "..التدخين ضار جداً بالصحة ويسبب الموت"، وأتذكر القول السائر (لعله في إحدى فوازير نيللي وصلاح جاهين): "طبْ بسْ يا لله"؛
بمعنى أن بداخل الإنسان المصري المقهور الضائع الذي فقد التوجه والهدف والأمل، ثم الكرامة والاحترام والحرية، بداخله رغبة سوداء، تقول له أنه "كفاية كده"، وبما أننا شعب نخاف النار، وفي نفس الوقت نفتقد إلى المبادأة، فنحن –والحمد لله– أقل شعوب العالم انتحاراً، ويؤخذ هذا دليل على الحكمة أو حب الحياة أيهما أكذب، وبالتالي كنت أتصور أن هذه العبارة تشجع على تحقيق ما لا يريد أي مدخن أن يعلنه لنفسه، فلما شاهدت الصورة، قلت "الله ينوّر"، هكذا تتجسد الدعوة بالسلامة، هل يا ترى من وضع العبارة أو الصورة على علبة السجائر كان يعرف ما وصلت إليه قيمة الإنسان المصري في نظر نفسه حتى يدعوه بهذه الصورة أن يحافظ على حياته، أن يحافظ على هذه القيمة الغالية "نفسه"؟ بأمارة ماذا؟. توقفت فجأة عن الكتابة متسائلاً: بالذمة هل هذا كلام يكتب أو يقال في رمضان، لقد سجلت البرنامج قبل رمضان، وكان خليقاً بي أن أنساه أو أتناساه في هذه الأيام المباركة، يا ترى إذن: فيم أكتب بما يليق ببركة رمضان؟
0 فجأة تطل علينا صورة المرحومة الجميلة سوزان تميم، وبجوارها صورة رجل الأعمال الفاضل، عضو مجلس الشورى ولجنة السياسات وأشياء أخرى، وهو بريء بريء حتى تثبت -لا قدر الله– إدانته، فتحضرني إجابة لسؤال عبيط طالما تردد في خاطري، ولم أجد له إجابة، طبعاً الإجابة ليس لها علاقة بنتائج التحقيق، لكنها توارد خواطر، فطالما قفز إلى خاطري، سؤال يقول: ماذا يفعل الثري بفائض ماله؟ إنه يشغل نفسه بمزيد من جمع الفائض، خاصة أن ليس له معدتان، ولا أربعة عيون، ولا حضنان، ولا شيئان، ولا وقتان، ولا قلبان، أسأل هذا السؤال وأنا أعتبر نفسي ممن عليه أن يجيب عليه، لأنني ثري، بمعنى أنني أكسب أكثر مما أصرف، وأمتلك أكثر مما أعرف، وأستطيع أن أحصل على كل ما يخطر على بالي في حدود قدراتي وطموحي بل وخيالي، (وأنا أعرف كيف أحجّم ما يخطر على بالي). حين شاهدت جمال المرحومة، وتعاطفت مع المتهم الأشهر، وتساءلت عن المتهم الأغمض، قلت: هل هذا وقته؟ اللهم إني صائم.
0 وكل عام وأنتم بخير آخر، غير الذي نحن فيه!.
نشرت في الدستور بتاريخ 10-9-2008
اقرأ أيضا:
استعمال الجسد: في سعار التنافس وقطع الغيار!! / اختبارات الكادر، وانهيار القيم، وجدوى التعليم / تعتعة نفسية: العادية