كل واحد هو نفسه.. بس نفسه هيّة برضه كلنا
شاع بيننا تعبير "تحقيق الذات" أو "إثبات الذات" أو البحث عن الذات، وهو تعبير جيد حسن السمعة، يروّج له كثير من الأطباء النفسيين والمسلسلات، فيردده كثير من الشباب وبعض أولياء الأمر وأحياناً الساسة ولا مؤاخذة.
يحتاج هذا المصطلح إلى مراجعة، وقد تمّ مثل ذلك من خلال نظريات نفسية تجاوزت هذا المفهوم الساكن نسبياً إلى مفاهيم حركيةُ أكثر تناسباً مع مفاهيم النمو والتطور والإبداع.
إن المبالغة في زعم أن الإنسان الفرد هو الأصل، وهو الغاية، وأحياناً هو الوسيلة، قد ارتبط بمرحلة ثقافية غربية حاولت أن تعلي من شأن الحرية، والذاتية، وأنسَنَةِ الوجود (وقصره على ما هو إنسان) بشكل مبالغ فيه، ربما كان ذلك تعويضاً لفترة سبقت هذه الموجة، فترة سيطرت فيها سلطة الكنيسة والدولة على كل ما هو كائن مستقل حتى محت الكيان الفردي أو سحقته، لكن الغرب عاد يراجع نفسه فيكتشف أن الإنسان الفرد ليس إلا وحدة في بناء أشمل، كما أنه مرحلة على طريق حيوي طويل مفتوح النهاية إلى هارمونية المطلق ووجه الحق سبحانه.
يستتبع ذلك أن علينا أن نصحح مفاهيم الناس ونحن نؤكد على حق كل واحد أن يكون هو نفسه لا مثيل له، شريطة أن يكون ذلك التأكيد هو مجرد بداية لتحقيق "مشروع ذاته المتجددة أبداَ"، وهو يواصل حواره مع أخريين بالمعنى الحقيقي فيتشكل باستمرار، ويتغير باستمرار، نتيجة صدق هذا الحوار.
أما أن الإنسان الفرد هو مرحلة، فإن ذلك يعني أنه إذ يتشكل طولياً في تاريخه الفردي البسيط، يظل يجدد نفسه بجدل حيوي مع الآخرين في اتجاه الكون الأعظم، منفتحاً إلى ما لا يعرف (الغيب). هذا المعنى ليس بعيداً عن وعي عامّة الناس، لم أتردد يوماً في صياغته للأطفال شعراً هكذا: يا حلاوة لو تكون الدنيا ديَّه، زي ما ربّي خَلَقْهاَ: هِىَّ هيّهْ. تِبقى
رايح عندها، تلقاها جايَّه.
الحياة الحلوة تِحلى بْكُلّنا، إنتَ وأنَا، كل واحد فينا هوّا بعضنا،
بس مش داخلين في بعض وهربانين، زي كتلةْ قَشّ ضايعةْ فْ بحر طين،
كل واحد هوّا نفسُه، بس نفسُه هي برضه كلنا، مالي وعيه بربّنا.
نشرت في الدستور بتاريخ 20-7-2005
اقرأ أيضا:
رمضان والموت والثروة والجنس / تعتعة نفسية: العادية / تعتعة نفسية: لا شكر على تسويق دواء جديد!!