أستاذي الفاضل الدكتور أحمد؛
الحقيقة أن مقالك البحث عن خديجة استفزني فعلاً منذ فترة، وكنت احضر مجموعة مقالات لنشرها في إحدى المجلات النسائية اللبنانية منها مقال بعنوان "أبو جهل يبحث عن خديجة الكبرى" سوف أرسله لك قريباً لترى وجهة نظري في الموضوع. ولكن عندما قرأت اليوم "البحث عن عباس" ضحكت لأسباب كثيرة. وأود أن أقدم لك عباس بطريقة أخرى وبعيون بنات اليوم!!! ولك أن تسمي ما كتبته طبعة منقحة ومزيدة عن عباس كلوني أو عباس بانديراس أو عباس ديلون...
بداية لا أقول إن ظاهرة البحث عن عباس ليست موجودة، بل أقول إن عباس هذا مكلف جداً ل"زيزونة" وهو الاسم الحركي لكل من تبحث عن سي عباس، والسبب بسيط، لأن زيزونة عندما تريد البحث عن عباس، عليها أن تكون بكامل أناقتها، وهذا يعني أن لا يراها أحد في نفس الثوب مرتين، ويجب أن تكون رائحة العطر نفاذة أكثر من رائحة العطر التي يضعها عباس، حتى يتلفت دون جوان زمانه يمنة ويسرة بحثاً عن مصدر الرائحة التي صرفت الأنظار عنه، ناهيك عن الأحذية، والشنط، وتزيين الشعر، و...... احسبْ هذه التكاليف كلها، وخذ بعين الاعتبار أن بنات اليوم يُجِدن الحسابات بشكل دقيق جداً جداً، ستجد أن عصفوراً باليد، منفوخ البطن نصف انتفاخة او انتفاخة كاملة، أفضل من عباس على الشجرة، فالأوفر اقتصادياً أن يبقى عباس حلماً وردياً، وفارس أحلام يجوب في خيالها، بهامرته البيضاء (على فكرة الهامر توحي لي بأن قطيع أفيال جلس على كل السيارات مباشرة بعد صناعتها، تأكد من الشكل) وأن تتزوج صاحب البطن، وتنكد عليه وتمن عليه كل يوم بأنها تنازلت عن الكثير حين رضيت به زوجاً وأن عليه أن يسجد ركعتين شكر كل يوم لأنها رضيت به أصلاً، وهي تستطيع أن تمارس كل هذا النكد، لأنها تشعر بالأمان الاجتماعي والنفسي مع هذا الشخص الذي سوف يتوب ويحلف عن الزواج، بعد الورطة التي تورطها، بعكس حالها مع سي عباس، العصفور اللي يحب يشم من كل بستان وردة ثم يطير بعيداً بعيداً!!!! أؤكد على فكرة هنا، مرة أخرى، لا تستهِِن بقدرة بنات اليوم على حساب الأمور!!!!
ومن ناحية أخرى تدرك زيزونات اليوم بحسهن الفائق وقدرتهن الجبارة على حساب الأمور، أن سي عباس، مثل لعبة الجبس الصينية، جميلة ولكنها عند أول هزة تنكسر، ولذلك، فإنه ينفع كم يوم للتسلية، يوضع بعدها في فترين الذكريات، وتنطلق زيزونة اليوم البراغماتية الواثقة من نفسها بحثاً عن رجل متين "Heavy Duty" مع كفالة خمسة عشر عاماً على الأقل!!!!! ودعك من أيزو الشكل، هذه مرحلة إجبارية قصيرة تمر بها كل فتاة، في رحلة تبلور عقلانيتها وواقعيتها.. بعدها نعود إلى قاعدة أبو كرش باليد ولا عباس في الهامر!!!
أضف إلى ذلك، أن زيزونات اليوم، ذكيات بما فيه الكفاية، فهن يعرفن أن عباس نزهة مسلية، أو رحلة تسوق من دون شراء "window shopping" على رأي البريطانيين، لأن سي عباس أبو هامر قاعد عليها فيل، سوف يختار في النهاية، الخجولة (أو التي تتصنع الخجل بانتظار الانقضاض على الضحية إذا تبنينا نظرية المؤامرة)، ذات الشخصية السلحفاتية التي تنسحب بسرعة إلى قوقعتها، دلوعة أهلها، ذات الأخلاق العالية، التي لم تخرج مع شاب سابقاً ولم تتعرف إلى أحد قبله، لأنها النموذج الذي لا يراه كل يوم!!!
وعندك واحد أصلع ونصف منتفخ الكرش أو منتفخ الكرش مش مشكلة وصلحوا!!!
المشكلة يا أستاذي الفاضل، أن زيزونة اليوم لم يعد عباس يخدعها، فهي أكثر منه دونجوانية، ورحم الله أيام الحب الخالد، والتضحية والعشق الذي لا ينضب، نحن اليوم نعيش حفلة تنكرية كبيرة، الكل يضحك على الكل بمزاجه، ولكن وقت الجد، كل شخص يعرف ماذا يريد، وعصر البراءة انتهى ليحل محله عصر البراغماتية والواقعية، وبعدين ماله الأصلع والأجلح؟ ومالها الست التي تتحول إلى أي شكل تحب أن ترسمه لها بعد الزواج، أليست هي أم العيال، أليست هي من يتحجج به كل الذين يخطون خطوة ناقصة نحو التعدد ثم يتراجعون عنها؟ بأنه لا يستطيع أن يتحمل دموع (تهديد ووعيد) وجرح وخراب بيت أم العيال؟
أظننا يا دكتور أحمد نعيش في عالم غير العالم الذي يعيش فيه الجيل الشاب، أنت تخطو بخطى ثابتة نحو الخمسين، وأنا أصبحت قاب قوسي أو أدنى من الأربعين، والزمن لم يعد زماننا، ونحن ننظر لجيل تخطانا بزمن، وأصبحت قواعد اللعبة عنده مختلفة تماماً عن الخريطة الاجتماعية التي ننظّر على أساسها.. إنهم، يعلمون ماذا يفعلون، وإنهن يعلمن ماذا يفعلن، اللهم فاغفر لنا جميعاً.. ودع زيزونة تضحك على عباس وتوهمه بأنها ميتة فيه، ودع عباس ينتفخ مثل الديك الرومي، وغداً يوم آخر... وجيل آخر.. تحياتي لك.
اقرأ أيضاً:
ساخن من لبنان: دفقة أمل (4)