كانت صدمة القراء كبيرة حين بدأت أعرض ما يصلني من رسائل الزوار الجنسية على موقع "إسلام أون لاين" حين بدأت خدمة الاستشارات عليه أوائل عام 2000م، وحين تخيرت د.عمرو أبو خليل ليكون المستشار الوحيد الذي يساعدني في هذه البدايات كنت أعرف أن مسئولية ما ينشر وما يحجب، وتفاعل القراء مع ذلك مدحا أو قدحا إنما ستقع على كاهلي، وتوقعت نقدا عميقا واتهامات واستنكارا، ولم يكذب القراء ظني ولا توقعاتي، ولم ينحلوا بالنقد ولا الهجوم الذي تعاملت معه بكل هدوء، وذهبت أفند أطروحاته بقدر كبير من الحلم والموضوعية حتى استقر الأمر، وصار ممكنا أن يقدم الموقع ذاته ـبعد سنوات قليلةـ دورة في العلاقات الحميمة، كما صار ممكنا أن يتناول نفر من المستشارين الأمور الجنسية بطريقة علمية وأخلاقية حفرت لها مسارا بدأته وحدي، وتحملت تبعاته وحدي، حتى صار للأمر أنصار، وصار ممكنا أن تظهر الدكتورة "هبة قطب" تتويجا لهذا الجهد، وتركيزا في هذا المضمار، وبلاءا في هذا الميدان الذي كثر سالكوه، بعد أن كان مفروشا بالألغام، محفوفا بالمخاطر!!!
هكذا تتغير ثقافة مجتمع تجاه قضية من القضايا، ولا تغيير دون ثمن، ولست بنادم على دفع ثمن هذا التغيير الذي حصل واستقر، ولله وحده الفضل والمنة.
وهكذا يمكن أن يحصل أي تغيير ثقافي لمن يريد أن يفعل، لأن أي تغيير في الثقافة الشائعة السائدة إنما يقف أمامه بالمرصاد من يرون هذا التغيير سلبيا يضر بأحوال الناس أو أخلاقهم، أو يضر بمصالحه هو شخصيا، أو مكانتها هي، ولا يمكن أن تنتصر فكرة جديدة أو مبادرة إلا بعد أن تخوض حربا تستخدم فيها الأطراف المضادة كل أسلحتها المشروعة وغير المشروعة، ولابد من ثبات وتضحية، ووفاء للمبدأ أو الفكرة حتى تنتصر.
شاهدت أمس شريطا مرئيا يتحدث فيه "عمرو خالد" عن برنامجه القادم بعنوان "المجددون"، ولفت نظري أن البرنامج سيضم جمهورا من الشباب والفتيات، كما تعود عمرو في برامجه التي يحضرها الرجال والنساء على السواء، وتذكرت حين جاءني يعاتبني على دورة تثقيفية كنت أنظمها من زهاء العشرين عاما.
جاء عمرو بأسلوبه الهادئ المحبب ينكر عليّ وقتها أن جمهور الدورة يضم شبابا من الجنسين يجمعهم طلب المعرفة في جلسات جماعية مشتركة، وكان المأخذ الذي يراه عمرو في هذه الجلسات أنها "مختلطة"، ولم ينفرد عمرو بالإنكار وقتها، وإن كنت أصمد له أنه صارحني به وجها لوجه، وليس مثل آخرين لا يجيدون غير الكلام من وراء الظهر!!
وبنفس الهدوء تحاورت معه عن الإمكانية الواقعية لتنظم دورتين واحدة للأولاد وأخرى للبنات، وأن هذا يبدو مستحيلا بالنسبة لكل الموارد المتاحة، بالإضافة إلى أنه لا مبرر له، إذ لا حرج في اجتماع الرجال والنساء، أو حركتهم في المجال العام، فما بالنا في دورة تثقيفية يحاضر فيها كبار المفكرين والمشايخ!!!
وتحملت الإنكار، وحدث التغيير، وصار من الأمور الطبيعية اليوم أن ينتظم الناس رجالا ونساءا في دورات ومحاضرات وندوات ومؤتمرات عامة، بلا حرج شرعي عند الأغلبية، فهذه ضرورات الحياة وحركتها، ولم نحصد من الفصل القسري بين الجنسين سوى الهشيم، والعنت، والتشوهات النفسية، وعدم النضج، والشذوذ الجنسي!!!
ولم أندهش كثيرا ـ فقط اندهشت قليلا ـ حين أنصت لي أخي د.شريف عبد العظيم صاحب فكرة وجمعية رسالة، وكنت أحدثه عن حياتنا، وعن المسكوت عنه فيها من قضايا حيوية وحاسمة وحساسة، وأن أحدا لا يحب المواجهة، ولا دفع ثمن التغيير، وبالتالي كيف يمكن أن يحصل هذا التغيير طالما هو لقيط يتبرأ من تبعاته كل أحد؟!!
واندهشت قليلا حين قال لي في كلمات قليلة معبرة: إن الذين يتصدون لهذه المهمة، ويدفعون ثمن مواجهة السائد قلة نادرة في كل زمان ومكان، وطالما اخترت أن تكون منهم فلتكن، ولتعلم أنه من غير المتوقع أن تجد من يصفق لك، أو يقف معك، أو يمد لك يد العون إلا قليلا، وهذه طبيعة الأشياء والبشر في هذه الحياة!!
وهكذا أجدني كثيرا ما أقف وحدي في ميدان لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، أو سائرا في درب قل سالكوه، بينما لا أجرؤ على السكوت، لأنني أرى وأعتقد أن الساكت على الحق شيطان أخرس.
وكم تعجبت مؤخرا حين قرأت مانشيت جريدة أسبوعية مصرية على صفحتها الأولى نقلا عن د. هبة قطب تقول: المصريون محتاجون إلى أفكار جديدة للاستمتاع الجنسي!!
وسرحت بخيالي، وحلقت بي أفكاري مع المصريين في بؤس حياتهم المقيم والمتراكم من الفوضى والجهل والفساد والاستبداد، وقلت لنفسي: أي استمتاع والأغلبية الساحقة من المصريين حاليا إما عوانس رجالا ونساء، أو مطلقات ومطلقين، أو أرامل، بينما من لديهم شريك جنسي هم الأقلية التي يعصف باستقرار حياتها الأسرية عشرات الأسباب، غير الاستمتاع أو عدم الاستمتاع!!
عندما بدأت الحديث حول الجنس في "إسلام أون لاين" كنت أقصد وأقول أن الجنس نشاط من أنشطة الحياة ليس بعيدا عن نظام الشرع وهديه، إنما في الإسلام توجيهات ورؤى لتنظيم هذا الجانب الإنساني وإشباعه، وتجاهل أن الأغلبية حاليا في مصر، وربما في غيرها أيضا، بلا شريك جنسي، أي بلا زواج لأسباب متنوعة، هذا التجاهل هو نوع من السكوت الذي لا أراه يحل مشكلة، ولا يرضي ربا ولا رسولا!! هل الإسلام صار مقدمة للشقاء؟!!
الوضع البائس المزري للمسلمين جنسيا واجتماعيا يحتاج إلى شجاعة لفتح ملفاته المسكوت عنها، كما فتحنا ملف الإمتاع بين الزوجين من قبل، وأعتقد أننا قدمنا فيه ما يكفي، فماذا ينتظرون لفتح بقية الملفات؟! وهل الإسلام عاجز عن معالجة هذه الملفات؟!
مثلا... ماذا عن المسلمات في بلاد الغرب اللائي لا يجدن جنسا بالحلال، وهن بالآلاف، وربما الملايين، سواءا الدراسات اللائي لا يجدن نكاحا من رجال بلادهن، ولا يجدن مسلمين من أهل بلاد المهجر، ولا يجدن جنسا حلالا، ولا أحد يتحدث عنهن، وكذلك المتحولات إلى الإسلام اللائي انقطع بهن السبيل فلا يجدن جنسا حلالا حيثما يعشن لسبب أو لآخر، ولا يتحدث عن حاجتهن أحد!! ولا يدري بهن أحد!!
هذا علاوة على الملايين هنا في الوحدة واليأس بلا جنس ولا شريك ولا أنيس ولا سكينة ولا مودة؟!!!
هذه الملفات من يفتحها يا من تنامون شبعانين وجيرانكم جوعى لطعام أو شراب أو كساء أو علم جنسي؟!!
واقرأ أيضًا
على باب الله: البحث عن عباس/ على باب الله: أنتيمها مأنتمها