في صباح ها اليوم وأنا جالس في مجانين سألتني رئيس تحرير مجانين: شفت جورج بوش وهو يضربُ بـ "الجزمة" (أي الحذاء بالعامية المصرية) فقلت لها لا فحكت لي ما رأته على شاشة الجزيرة فانفعلت وسألتها وكيف كان ذلك وماذا حدث بالضبط قالت في مؤتمر صحفي في العراق فقلت لها نمت ليلة أمس مبكرا للأسف فلم أرَ ذلك الحدث ولكن ماذا بعد ذلك قالت أوجعوه ضربا وربما قطعوه من الضرب قلت لها -وأنا أتمنى- بوش؟ فقالت لا الصحفي طبعا... تساءلت بيني وبين نفسي لماذا طبعا؟؟ جورج بوش يستحق ما هو أفظع من هذا بكثير!
ولم أكد أغلق بابي علي في العيادة حتى ناداني الشيخ فتحي يا دكتور حضرتك "شفت جورج بوش وهو يضربُ بـ "الجزمة"؟"... قلت لا فقط سمعت فناداني إذن ها هي على شاشة التليفزيون وبعد غير وقت ستتناقل من محمول لمحمول.. وفعلا رأيت المشهد ورأيت ضحكة جورج بوش السمجة بينما كان يؤلمني صوت اللكمات وتكميم الفم الذي كان يتلقاه ذلك الصحفي... آلمني كثيرا أنه ضرب لفعلته تلك!
رسالتان من الفيس بوك وصلتا معا واحدة تدعو للانضمام إلى مجموعة المنتظر الزيدي وأخرى للانضمام إلى مجموعة لجنة التضامن مع الصحفي العراقي منتصر الزيدي أو منتظر الزيدي أو بالضبط الحملة العربية من أجل التضامن مع الصحفي العراقي اللي ضرب بوش بالجزمة،.... وأظن أن الاسم الأخير هو الاسم الصحيح.... والله وعملتها يا منتظر..... رد الفعل المباشر والمجرد من الكوابح الاجتماعية البشرية الدبلوماسية....
من بالله عليكم يمكنه أن يقول أن وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش لا يستحق الضرب بالنعل؟؟؟؟ من عادلا يدعي غير ذلك؟؟؟ لا أظن هذا الحذاء العراقي إلا أطهر من وجه بوش ولا أظن قلوب العراقيين بل وقلوب كل العرب الشرفاء إلا وكانت مع هذا الحذاء... فهل معنى هذا أن الرجل صاحب هذا الحذاء الذي ينهي به العراق ولاية جورج بوش وحزبه سيصبح بطلا قوميا عربيا؟؟؟ أعتقد أن هذا هو الطبيعي الذي سيحدث.
صحيح ليس من بروتوكولات آداب مهنة الصحافة أن يقذف الصحفي حذاءه في وجه رئيس أي دولة أو أقل من رئيس لكن السؤال الذي يجب وضعه هنا هو حتى ولو كان جورج بوش؟؟ أليس جورج بوش مجرم حرب في رأي ربما أكثر من نصف سكان العالم بل والله أكثر من هذا بكثير.. في أي شيء أخطأ منتصر الزيدي إذن؟؟ أليست صور جوانتمالوا في عيوننا أليست صور أبو غريب... لست أدري لماذا لم يحمل بقية العراقيين أحذيتهم ليقذفوا بها بوش؟؟ ولا أنا أستطيع وصف الذين تطاولوا على هذا الصحفي فأوجعوه ضربا إلا بأنهم خونة جبناء!
نقيب الصحفيين المصريين علق على ذلك بقوله أن هذا السلوك مشين وفيه تجاوز لآداب مهنة الصحافة... يبدو موقف النقيب دبلوماسيا خاصة وأنه لو صرح بغير ذلك فلا يستبعد أحد أن يصبح من شروط دخول المؤتمر الصحفي أن يخلع كل صحفي حذاءه قبل الدخول إلى قاعة المؤتمر حيث توجد الشخصيات ذات الحصانة الدبلوماسية أو أي شكل من أشكال الحصانة.... إذن لابد أن يرد سيادة الأستاذ مكرم محمد أحمد بهذا الرد الدبلوماسي الذي يحفظ للصحفيين أحذيتهم في أرجلهم دون أن يضطروا لخلعها في مكان مخصص مثلما يفعل الأطباء قبل دخول غرف العمليات أو دور العناية المركزة!
الحمد لله أننا هنا على مجانين لا نكتم الحق جورج بوش كإنسان يستحق الإعدام وليس مجرد إلقاء النعل في وجهه خاصة عندما يفعل ذلك عراقي وكل العراقيين أصحاب ثأرٍ لدى بوش ولا يقول بغير ذلك مخلص صادق... ولسنا في حاجة بفضل الله للدبلوماسية على مجانين.
تذكرت قصة كنت قرأتها عن حذاء عبد اللطيف البغدادي –وأتمنى ألا تكون ذاكرتي تخونني- وكان ذلك الحذاء شهيرا جدا في بغداد فكان كلما يتخلص منه صاحبه يعود إليه مرة أخرى بمصيبة... وحاولت البحث عن حذاء عبد اللطيف البغدادي هذا على الإنترنت فجاءت النتائج كلها عن حذا منتظر الزيدي.. من المؤكد أن هذا الحذاء أشهر بكثير وأظن شهرته ستبقى طويلا وربما إلى يوم القيامة.
ربما لي علاقة أو ذكرى خاصة مع مثل هذا الموقف.... منذ زمان طويل وبالتحديد في أوائل سنة 1993 عندما قام ذلك المدرس المساعد في قسم الطب النفسي بالرد على سؤال رئيس الجامعة (أ.د رمزي الشاعر) بطريقة غير مهذبة كان السؤال الموجه من رئيس الجامعة إلى الأساتذة هو: هل أنتم لا تريدونني رئيسا للجامعة وكان الرد الذي صاح به ذلك المدرس المساعد: نعم لا نريدك.... وكان هذا الرد بمثابة الشرارة التي انفجر بعدها المدرج الذي يحوي أساتذة كلية الطب تصفيقا وهتافا (مش عايزينك مش عايزينك)... وكان أن انسحب رئيس الجامعة من اجتماع المصالحة مع أساتذة كلية الطب..... المهم والذي يعنينا في هذا الموضوع هو كيف كان الرد بمثابة الشرارة التي أشعلت الجميع.... وكانت سيرة رئيس الجامعة في ذلك الوقت أنه لا يحترم الأساتذة ويظلم الجميع من أي ثغرة يجدها في القانون... بعدها بالطبع اعتذر له المنافقون ومن هم في سدة السلطة في الجامعة... ولكن كان هذا الموقف من أوائل ما واجهه رمزي الشاعر في جامعة الزقازيق من تظاهرات الرفض... حتى تم عزله من رئاسة الجامعة بعد عدة سنوات عقب ضربه بالأحذية في حرم الجامعة بل وعلى باب مكتبه -على يد شبشب مدام كريمة- الذي لجأ إليه ليحتمي... كان ذلك متوقعا بعد أن ترسخ لدى موظفي الجامعة أنه يحجب عنهم حتى المكافآت المالية طالما استطاع إيجاد ثغرة قانونية تمكنه من ذلك!
أفلا ترون أن ما حدث لجورج بوش في العراق لم يكن مع الأسف شرارة جاءت في وقت مناسب؟ لماذا يا ترى.. أكتب هذه السطور وفي أذني صوت الصحفي البطل منتظر الزيدي وهو يتلقى الضرب والتكميم من عراقيين مثله بالتأكيد.. هنا النقطة الجديرة بالتأمل والتساؤل هل المسألة هي مجرد احترام للقوانين وموالاة للحكومة العراقية الحالية -التابعة للأمريكان بكل وضوح-؟ أم هو خضوع لرهبة حضرة الرئيس الأمريكي؟؟ وبالتأكيد هذا واقع في بلد محتل وعلى الأقل بين الموالين للنظام القائم... من الواضح على أية أن الحالة العراقية أكثر التباسا وتعقيدا من أن نحللها هنا... ولكن يبقى التساؤل من الذي اعتدى على منتظر الزيدي؟؟ من من العراقيين من من بين الحاضرين لم يكن على نفس مستوى منتظر الزيدي -أو أقل منه قليلا- قرفا واشمئزازا من حضرة جورج بوش في البلد الذي دمر مليونا على الأقل من أهله؟؟ ما معنى آداب مهنة الصحافة هنا حين يحاكم منتظر بناء على الإخلال بها...
ويبدو أن لهذا الأمر ستكون تداعيات واسعة على المؤتمرات الصحفية في دول العالم الثالث فلربما سمعنا عن انتفاضة الأحذية على غرار انتفاضة الحجارة الفلسطينية فتكون انتفاضة أحذية الصحفيين في دول العالم المستغَل أو العالم الثالث بوجه عام ربما يتكرر مشهد الحذاء المقذوف في وجه المفسدين الله أعلم!
هناك آداب وهناك قوانين وأعراف وبروتوكولات وما شئتم ضعوه من الأسماء هنا ولكن هل أحد يستطيع تبرئة جورج بوش من قتل مليون عراقي؟ هناك إذن خطأ في قذف رئيس أي دولة بحذاء الصحفي أثناء مؤتمر صحفي ولكن جورج بوش في العراق استثناء!!! أليس الأمر في منتهى الوضوح؟ هل أهلنا في العراق مغيبون إلى هذا الحد كيف يضربون منتظر حتى يتأوه لأنه ألقى حذائه بوجه قاتل أهله؟؟
هل هم حراس بوش؟؟ هل هم أفراد الأمن الخاص من الأمريكان أتمنى ألا يكون بينهم عراقي واحد لكن للأسف يبدو هذا احتمالا بعيدا فما أظن حراس بوش إلا محيطين به في مثل ذلك الظرف... لعل الساعات القادمة تحمل لنا أخبار وتفاصيل أكثر..... ولكننا من الآن نعلن تضامننا مع الصحفي منتظر الزيدي لأن جورج بوش مجرم حرب بلا جدال!
قبل أن أختم هذه المدونة تلقيت اتصالا هاتفيا من أخي وصديقي د. صابر عبد العظيم أستاذ مساعد الطب النفسي في نفس القسم الذي أعمل به... كان يناقشني في بعض الأبحاث ويستحثني للعمل... وحين قلت له هل رأيت الصحفي وهو يلقي حذاءه في وجه بوش؟ قال لي بمنتهى العفوية: يا جزمة الهنا.... يا ليتني كنت أنا! وشعرت أنها مست كثيرا في نفسي وأظن في نفوسكم جميعا أيها المجانين.
واقرأ أيضًا:
الإسكندرية من 5 إلى 7 نوفمبر 2008 / بعيدا عن مجانين التواجد أوفلاين