لا يمكن أن تصبح قدرتي على الكتابة مرهونة بالكهرباء!... لا يصح عندما ينقطع التيار الكهربي أن أشعر بأنني عاطل تماما أو معطل تماما عن العمل بهذا الشكل.... صحيح ما تزال الإنترنت تعتمد على وجود التيار الكهربي... إلا إذا كنت سأدخل الشبكة باستخدام الهاتف المحمول والحقيقة أن تصفح الشبكة بالمحمول مهارة لا أحسنها ويبدو أنني أصر على البقاء كذلك.....
ما أشعر به مختلف فعلا.. ولكي أشرح لكم... فإنني اعتدت في أغلب الأيام أن أصل عيادتي قبل المرضى بساعة على الأقل وذلك –احتراما للمواعيد في الأصل- ولكي أستقطع وقتا للموقع وربما لقراءاتي أو كتاباتي على الشاشة... وبالتدريج أصبح هذا الوقت المستقطع مهما جدا بالنسبة لي.. مهما حتى في تهيئتي لممارسة مهنتي وأنا هادئ الأعصاب.... معنى هذا أنني –مثلما هو حادث هذا اليوم- إذا فاجأني انقطاع التيار الكهربي فلا كومبيوتر ولا إنترنت فإنني أشعر أنني مستفز بشكل يدعو للخجل.
كثيرا ما تمنيت أن أعيش تجربة أهلنا في غزة.. برغم الجوع والألم. فأنا أرى فيها تدريبا وتربية للإنسان على الفطام من منجزات الحضارة الحديثة التي أصبحت متأكدا من أنها تستعبد الإنسان بينما يظن هو أنه يسخرها أو يستعبدها لتحسين حياته وزيادة قدراته!!.... دائما كنت أرى أن وضع بلد ما تحت الحصار من قبل الغرب في أيامنا هذه دائما يعود بالنفع على هذا البلد كرامة ومعرفة وتطورا وقدرة على الاعتماد على الذات... قرأت لعادل حسين –رحمه الله- في جريدة الشعب الورقية أواخر أيامها عن التفوق العراقي تحت الحصار، وغير العراق أظن التفوق الإيراني واضح ولم تتمكن قوى الغرب من القضاء عليه كما حدث في العراق... كنت دائما أرى الحصار يجعلنا أقوى... ولا أدري هل لو طبق الحصار على المصريين الذين أعرفهم الآن ماذا ستكون النتيجة... وأخشى أننا سنكون الاستثناء الذي يثبت القاعدة باعتبار المصريين هم الشعب الوحيد الذي سيشذ عن قاعدة التفوق تحت الحصار!.
ما علينا ندع مصر لخالقها عله يبثُّ الروح فيها.... ونعود إلى الحصار المفروض على غزة... فليس حصار غزة كأي حصار فقد كان الحصار على العراق أو إيران أو ليبيا أو كوبا حصارا يتعلق بأي شيء غير الغذاء أو الماء أو الوقود أو الكهرباء أو ما يمس حياة الناس العاديين بأي شكل من الأشكال، فقط يوجه الحصار إلى قدرة الأنظمة الحاكمة على التطور في مجال ما... لكن ما يحدث في غزة هو الحصار القاتل للناس.. حصار غزة جريمة لم تكن لها سابقات في التاريخ الحديث.
من المؤلم فعلا أن نصل إلى هذه الدرجة من الاعتماد على وجود الكهرباء في حياتنا.... لست أدري هل يستطيع أفراد الأجيال الأصغر مني تخيل الحياة بدون كهرباء؟؟ أنا شخصيا شاء لي الله عبر مسارات حياتي أن أعيش معظم سنوات مراهقتي في واحدة من قرى السعودية في الفترة من 1975 إلى 1979 مع اقتطاع سنة قضيتها في مصر وحيدا دون أهلي... المهم أنني جربت الحياة دون كهرباء... صحيحٌ أنها لم تكن حياة بدائية تماما فقد كانت هناك ثلاجات وغسالات وسيارات ومذياع ولكن كانت الإضاءة ليلا فقط باستخدام مصابيح الكيروسين (الجاز) إلا عند بعض من يملكون ماكينات لتوليد الكهرباء وبعضهم كان يسمح لآخرين بالاشتراك معه حيث كان المولد يعمل من بعد صلاة المغرب وحتى بعد صلاة الصبح... المهم كانت هناك حياة ممكنة وكان بالإمكان استخدام البطاريات الجافة لتشغيل المذياع مثلا... وكذلك كان من الممكن استخدام النار لتسخين المياه للاغتسال.. كانت انسيابية الإنسان في تصريف أمور حياته أقل بالتأكيد منها في وجود نعمة الكهرباء... لكن الإنسان يكون أكثر اعتمادا على نفسه في كثير من الأمور وربما أكثر تناغما مع الحياة عندما يعيش بدون كهرباء!!
ها أنا بدون كهرباء هاتفت زوجتي مرتين وتكلمنا عن حالتي هذه دون كهرباء... أسعدها ذلك كثيرا وإن لم تعلن تمنيها انقطاع الكهرباء في العيادة كل يوم لبعض الوقت!!.......... قررت أن أتحدى نفسي بالكتابة بالورقة والقلم وهي مهارة يكاد المرءُ ينساها منذ سنوات.... ودونت كثيرا لم أكن غالبا سأجد وقتا له في وجود التيار الكهربي.... قمت كذلك تجولت في غرفتي في العيادة تلك التي أقضي فيها حوالي نصف ساعات كل يوم من أيامي على الأقل منذ حوالي 15 عاما... ونادرا ما أتجول فيها... شعرت بشيء من التقصير في حق كل شيء ما عدا الكومبيوتر والإنترنت وموقع مجانين.
كانت لدي كذلك فرصة للنظر في المكتبة... أو بالأحرى في ثلاثة أماكن لحفظ الكتب في غرفتي بالعيادة.. هذه الكتب التي أستطيع توزيع أيام عمري السابقة على صفحاتها... كم تحمل كثيرا من الذكريات.. يا ترى بأي شيء يمكن أن أشعر إذا تصفحت ذاك الكتاب أو ذاك؟؟
ربما تستطيع الإنترنت تقديم شيء كهذا وربما تستطيع ملفات برامج الكتابة على الكومبيوتر... ولكنني ألاحظ أنه رغم صغر سن الإنترنت والكومبيوتر ألاحظ أن الذاكرة أقوى بكثير وأكثر حيوية في حالة استرجاع ما يرتبط بالكتب والكشاكيل مقارنة بما هي في حالة الكومبيوتر أو الإنترنت.... مثلا حين أقرأ إجابة قديمة لي على مجانين أو غيره فإن الذكرى غالبا ما تكون محدودة بل وأجد شيئا من الانبهار بالكلام.. مثلا ياه أنا قلت هذا الكلام سنة 2003 أو 2004؟؟؟ والغريب هو أن ما يحدث في حالة الكتب والكشاكيل مختلف... فأنا غالبا أشعر بالشوق وبالتعرف أكثر على الذات وبالقرب منها... فهل أخذت الإنترنت أو أخذ الكومبيوتر شيئا مختلفا عما أخذته الكتب والكشاكيل منا؟؟؟
الآن عادت الكهرباء وضغطت على زر تشغيل الجهاز... لابد أنني سأكتب هذا الكلام على الكومبيوتر لأعرضه لكم على صفحات مجانين... تنتابني الرغبة في الكف عن الكتابة بالقلم لكنني أصر على تكملة هذه المدونة كتابة بيدي على الورق.... لعلها تكون مميزة لدي بشكل أو بآخر...
يبدو أن الإنسان حين يتعامل مع الكومبيوتر أو الإنترنت يصبح شخصا آخر مختلفا عنه شخصيا!! شخصا آخر نوعا ما ولا أستطيع تخمين مدى صحة ذلك؟؟؟؟؟ إنما أترك تخمين الأمر للمجانين وربما نستطيع دراسة الموضوع على مجانين ماذا يحدث مختلفا داخلنا وخارجنا في تفاعلنا مع الكومبيوتر والإنترنت مقارنة بما يحدث في تفاعلنا مع الكتب مع الورق مع الجرائد وحتى مع الناس أظن السؤال مهما وأنتظر إجابات المستشارين قبل المجانين ورواد الموقع من السادة العقلاء... وأهلا بمشاركات الجميع.
واقرأ أيضًا:
بعيدا عن مجانين التواجد أوفلاين / اقتراحات... وردود