قال له عامل محطة البنزين "لابد من ضبط هواء العجلة اليمنى الأمامية"، ذهب لكوخ الكاوتش الذي بادر صاحبه برش سائل رغوي على كل العجلات عجلة عجلة دون استئذان، ليعلن أن هناك ثقوب عديدة في الجميع، وأنه عنده خوابير أمريكية مضمونة أكثر من ضمان الكاوتش الأصلي، وأن ثمة حادثة قد وقعت أمس قبل محطة البنزين بقليل، وأن هذه الثقوب هي من آثار الزجاج المتبقى، وهات يا تخريم وتخبير، وكلما رشق الرجل المفك المدبب في ثقب مزعوم، أحس صاحبنا أنه يرشقه في جسده هو، وامتدت العملية إلى سائر العجلات حتى بلغت الثقوب سبعة عشرة.
أثناء هذه العملية الممتدة أطل وجه فتاة في حوالي الخامسة عشرة من بين ألواح صفيح الكوخ، خيّل إليه أنه رأى هذا الوجه من قبل، وحين انتهى رجل الكاوتش من مهمته، سأله صاحبنا بتردد: "من الفتاة؟"، تعجب الرجل: "أية فتاة؟" قال: "التي كانت تطل بوجهها من بين ألواح الصفيح"، زاد تعجب الرجل وهو يؤكد له أنه ليس وراء الصفيح إلا بركة آسنة، وانصرف صاحبنا بعد أن دفع مائة وسبعين جنيها بالتمام مقابل تشويه العجلات وإفساد متانتها.
ما أن سار بالعربة بضعة كيلومترات حتى سمع حركة في الكرسي الخلفي، فظن أنها ورقة صحيفة تتطاير، فأحكم إغلاق زجاج الأبواب الأربعة، لم تتوقف الحركة، نظر في المرآة فرأى كياناً يتحرك حتى يعتدل جالساً على الكنبة الخلفية، فزع حتى كاد يصطدم بعربة مرت بجواره، هي هي فتاة الكوخ، إذن هو لم يكن يتخيل، ابتسمت الفتاة بفتنة خاصة حين لاحظت أنه رآها في المرآة، قالت رداً على سؤاله إنها اختبأت في العربة دون استئذان حتى تضمن أنه سيوصلها، وحين سألها: "إلى أين؟" قالت: "إلى أي مكان"،
سألها: "ماذا تعنين؟"،
قالت:"أنت وما ترى يا سيدي، "أسترنى الله يستر عرضك"، انخلع قلبه بعد أن دخلت المسألة في الستر وعرضه، قال لها في غضب مصطنع: "سأوقف العربة وتنزلين، أنا لست من أهل ذلك"،
قالت له: "ذلك ماذا يا سيدي؟ أنا لم أقل شيئاً"، تراجع وقال لها إنه ذاهب إلى اجتماع اللجنة الاقتصادية العليا للحزب، وأنها وجهة لا تسمح له بأن يوصلها وهي معه،
قالت له: "حاضر"، قال لها: "حاضر ماذا؟"
قالت: "حاضر، إفعل ما ترى، لكنني حامل"، قال بسرعة وكأنه يدافع عن نفسه: "هذا أمر يعني زوجك، أنا مالي"،
قالت: "ليس لي زوج"، رد فزعاً:"وأنا مالي أنا؟"،
قالت: "ألا تذكر يا سيدي؟ أنت أبوه"، رد منفجراً: "ماذا تقولين يا مجنونة"،
قالت:" ألا ذكر أيضاً أنني ابنتك من ظهرك"،
قال لها: "أنا أبوه؟؟ وأنت ابنتي يا معتوهة؟"، ثم أكمل بصوت عالٍ وقد بدا وكأنه يتذكر: "ثم إنني لم أتزوج"،
قالت: "وهل من الضروري أن يتزوج الواحد ليكون له ابنة، تنجب منه"؟
داس على الكابح بكل قوته حتى توقفت السيارة فجأة وكادت العربة التي خلفه تصطدم بها لولا أن صاحبها قد داس بدوره على الكابح، قالت الفتاة وهي تقفز من العربة بسرعة، "حصل خير"، قال لنفسه "أي خير!!"، وراح ينظر في المرآة فرآها تخرج من الباب الخلفي بسرعة، وتجري إلى العربة التي كادت تصدمه، ورأى السائق الوجيه يفتح لها الباب، ويجلسها بجواره، ثم تمر العربة بسرعة من الناحية اليمنى وهي تلتفت إليه تلوح له بيدها، حاول أن يلتقط رقم العربة لكنه لم يستطع إلا أن يلحظ أنها لوحات "دبلوماسية" خضراء.
وانطلق بسرعة متوسطة وهو ينظر في ساعته، ويحاول أن يتذكر المهمة التي يتوجه إليها، فراح يتمتم، "من ذا الذي يستطيع أن يوقف هذا التدهور المتسارع في اقتصاد البلد؟"، لكنه ما كاد يمضي في الطريق حتى شك في سلامة العجل مرة أخرى، ذهب مباشرة إلى كوخ الكاوتش التالي على الطريق، قاس الرجل ضغط العجل وقال له "كله سليم يا سعادة البك، دع عنك هذه الوسوسة، ربنا يسلم لك طريقك"، ثم عاد العامل ينظر إلى الخوابير وهو يقول: "منهم لله، هم عملوها فيك أيضاً؟! قال خوابير أمريكاني قال!!، الله يخرب بيوتهم"
ركب سيارته بسرعة بعد أن تأكد من خلو المقعد الخلفي،
ومضى في طريقه وهو يفكر في اقتصاد البلد المتدهور!.
نشرت في الدستور بتاريخ 15-10-2008
اقرأ أيضا:
تعتعة نفسية: لا شكر على تسويق دواء جديد!! / تعتعة نفسية: المجنون لا يفعل مثل هذا!!! / الحق في الفرحة وسط المصائب، والأحزان!!