انفض المؤتمر العالمي الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي، مؤتمر الجمعية العالمية للطب النفسي بالاشتراك مع الجمعية المصرية للطب النفسي، وهو مؤتمر يعقد كل 4 سنوات، في موقع ما عبر العالم، ويرجع الفضل إلى عقد هذا المؤتمر في القاهرة بالذات إلى الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية الأولى والأستاذ الدكتور سعيد عبد العظيم رئيس الجمعية الثانية.
المؤتمر رائع، والتنظيم شديد الدقة، والمسؤولية هائلة، والنجاح فضل كبير.
الحاضرون بضعة آلاف من أنحاء العالم، اللغة الانجليزية هي الغالبة مثل كل المؤتمرات في كل العالم، لكن كل اللغات ممثلة، ولو في تحيات الصباح، أو على موائد العشاء. الفائدة الاجتماعية لا يمكن إنكارها: اللقاء بين العلماء والممارسين صادق الود، والأحضان دافئة، والابتسامات حقيقية، والائتناس وارد.
الفائدة الدعائية– لمصر، تاريخاً وحاضراً، عراقة وتنظيماً – تتحقق بشكل لا شك فيه.
والآن: تعالوا نبحث عن معالم دراسة الجدوى على محورين آخرين: أين العلم؟ أين الجديد؟ العلم موجود والله العظيم ثلاثاً، لكنه موجود على هيئة العينات التي توزع مجاناً لتذوقها قبل الإقبال على شراء ما تيسّر منها، وأحياناً تجده متاحاً "أثناء الفاصل" بين المحاضرات والندوات. بل إن منظمي هذا المؤتمر كانوا من الأمانة والكرم بحيث أتاحوا لكاتب هذه السطور وتلاميذه أن يقدّموا ملامح مدرسة باسمه في "ندوة" مستقلة، الأمر الذي لم يكن يحلم به أبداً قبل وفاته، ولا بعدها.
لكن لابد أن ننتبه أن كل هذا ممول من شركات الدواء التي همّها الأول: المكسب، والتي لم ولن أكف عن اتهامها بترويج علم زائف، يصل زيفه إلى درجة غسيل مخ الأطباء الممارسين خاصة الأصغر منهم، بعيداً عن صالح المرضى وتطور المعرفة وتقدم الإنسان (إلا بالصدفة أحياناً).
الاختيار صعب إذْ يستحيل عمل مثل هذه المؤتمرات بدون دعم هذه الشركات، وفي نفس الوقت فإنه يستحيل دعم هذه الشركات لهذه المؤتمرات بدون أن تحقق مكاسبها الخطيرة المشبوهة.
ما العمل؟
لست أدري!
بعد انتشار التواصل الإلكتروني (عبر النت) يلوح أمل حقيقي في أن يتخلص العلماء الأمناء، وطالبوا العلم المجتهدون، من وصاية هذه الشركات، وذلك بأن تتم اللقاءات بين من يهمه أمر المعرفة وصالح المرضى طول العام، طول الوقت، طول العمر، عبر الوسائل الأرخص والأحدث، وحتى تضطرد المعرفة، وننقد بعضاً بعضاً باستمرار نقداً حقيقياً دون تكلفة أو وصاية... إلخ.
بدأت هذه المحاولة فعلاً في العالم العربي بفضل هذا الشاب الرائع الذي اسمه د. جمال ترك من تونس، فقد أسس هو وزملاؤه موقعاً يتمادى في التواصل والتعارف وتبادل المعارف والآراء والخبرات، وأحسب أن هذا هو بداية الحل. عنوان هذا الموقع هو: www.arabpsynet.com
نشرت في الدستور بتاريخ 21-9-2005
اقرأ أيضا:
الحذاء الطائر، والبصقة العالمية، ومسؤولية الفرحة / تعتعة نفسية: الشذوذ والنبوغ والطب النفسي