سئلت: لماذا يعبدون الشيطان؟! وكان الموضوع حول جماعات عبادة الشيطان عندنا.
وجدت نفسي أسألني: ولماذا لا يعبدون الشيطان؟!!
رجال ونساء، شباب وصبايا في غمرة التيه الذي نعيش، وفي زمن البحث عن هوية، عن قضية، وعن تمرد، عن حقيقة أو عن معنى!!
البحث عن انتماء لجماعة، عن لون أو طعم، عن اهتمام أو يقين ولو كذبا!!
تنفجر ملايين الأسئلة، وتدور الشبهات، ولا أحد يجيب، ولا أحد يهتم!!
مفأجاة عصر السماوات المفتوحة، وصدمة المعلومات المتاحة بلا رقيب، واختلاط الحابل بالنابل وضعنا في مأزق حقيقي لم نكن نتصوره، ولم نستعد له، وتورطنا ونتخبط منذ سنوات!!
أية معرفة بالأديان تلك التي تصل للشباب؟! وأي انطباع يمكن أن يأخذه الشاب المتوسط اليوم؟! وما شكل الرب الإله، والشرع والأحكام؟! وما صورة الدين كما ترسمها المواعظ السائدة والخطابات الدينية الأوسع انتشارا؟!
هل هي صورة محببة حقيقية مفهومة منطقية تجمع بين الجلال والجمال، وتملأ العقل والقلب قناعة وحبا؟! أم هي غير ذلك؟!
أي حوار وأية حرية للنقاش المفتوح في هذا العصر الذي انفجرت فيه التساؤلات، وزالت الحدود والقيود على الشبهات والمعلومات، وكيف نستقبل النقد أو الجهل الذائع أو التشويش الحاصل لأغلبية الشباب؟! كيف نستقبل؟! وكيف نستوعب؟! وكيف نرد؟!
ما هي دوائر النشاط الثقافي والفني والتربوي والترفيهي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي العام والخاص أو التطوعي المفتوحة بجد أمام شبابنا؟!
وكيف نتعامل مع شبابنا الواقع تحت تأثير هذه الرياح العاتية والضغوط والتحديات والأفكار والنزعات والجماعات؟!
بل هل لدينا وقت وقدرة وإرادة ورغبة للاهتمام بالشباب على مستوى هذه التحديات، ومستوى العصر الذي نعيشه؟!
لم يعد ينفع إيمان العجائز، ولم يعد يكفي ولا يجدي أن نقول للناس (هوه كده، ولا تتناقش) وصار مضحكا أن نرد على الشبهات وأصحابها بترديد الآيات والأحاديث دون تأمل أو تأويل، وشرح وتفسير!!
ولم تعد تنفع الأساطير والحكايات التي نتداولها عن الغيب بدلا من حقائق الدين الصحيح، مع التفويض بالإيمان فيما لم يرد فيه نص صريح!!
لامناص من تجديد الروحانيات، والإيمان ومعانيه، وإنعاش القلوب والنفوس والعقول بمعاني الإيمان الصحيح، والصلة الحية الفاعلة برب الأرض والسماء، بعد أن سادت لعقود مباحث ومفاهيم ونقاشات عقيمة حصرت التوحيد والعقيدة في نقاط وزوايا وأزقة ضيقة محدودة ومسدودة أو شبه مسدودة، وحان الوقت لمراجعة توجهات متشددة تقول أنها تحاول تنقية الدين من شوائب ممارسات وخزعبلات ومبالغات وشطحات التصوف فإذا بالنتيجة تكون دينا بلا روح، وطقوسا بلا حضور قلب، ولا تدفق مشاعر، وإيمانا لا يتسلل إلى كل خلية من خلايا الجسد، كما هو شأن الإسلام في أصله، والتصوف منذ نشأته، والجانب العاطفي في الإسلام موجود وأصيل.
حان الوقت لمراجعتهما معا: اتجاهات تقول بأنها سلفية، وجاء وقت تصحيح مساراتها، وتقييم تجربتها، وفرز حصادها، واتجاهات تحاول الحفاظ على التصوف فلا يبقى منه إلا شيء باهت يبدو صوريا ومنحازا للموادعة مع سلطات لا تستحقها، ولا هو مضطر لها، لأن الدنيا أوسع من مجرد أن تسبح بحمد السلطة، أو تقضي ليلك ونهارك تلعنها!!
وإذا كان الإيمان قد تاه أو زاغ عن القلوب، وبحث الظواهر مثل انتشار جماعات عبدة الشيطان قد سقط من أولويات أجهزة الرصد والتحليل والدراسة والتشخيص والفحص مثل: الجامعات ومراكز الأبحاث، ودراسة الاتجاهات الاجتماعية والثقافية في المجتمعات العربية!!
إذا كانت جموع الشباب غارقة في إحباط، وانسداد آفاق، ومحاصرة بإغراءات وثقافات وأنماط عيش مغرية ظاهرها الحرية والسعادة والرخاء والفرص والنجاح والاستقرار واحترام الإنسان، وباطنها المادية والخواء الروحي، والفراغ والتفكك الاجتماعي إلا من رحم الله، وفي أوساط مقاومة هذه العدمية التي تتصف بها الحضارة المادية المعاصرة.
ما حصاد هذا كله وتأثيره في نفوس شبابنا، وعوامل الضغط والفتنة متزايدة، وعوامل المقاومة أقل منها، والفجوة واسعة بين شبابنا، وتاريخنا، والمضيء من تراثنا، وجواهر فلسفتنا ورصيدنا العقائدي والروحي في أصوله!!
الثقافة المادية الغربية تجتاح وتقدم نفسها متحدية في منتجات ووسائط سمعية وبصرية ودرامية وترفيهية وجادة!!
تقدم نفسها في جهد بحثي، وإعلامي، وتبسيط للرموز والأفكار، ومديح للذات الحضارية الغربية المتضخمة، وتربط التمدن بأشكال وقوالب وعلامات وماركات وسلوكيات وموضات هي تصنعها وتصدرها، ونحن نستهلك!!
بينما خطوط دفاعنا، وإنتاج المعرفة والأفكار، والمعاني والصور والمشاعر، وتحقيق الأحلام والمشاريع عندنا معطوبة، والجهود الإيجابية، والإنجازات البشرية والعلمية ما تزال فردية ومحدودة.
نحتاج إلى تغيير على مستوى ثقة الفرد بذاته وما لديه من إمكانيات، وإلى جهد يقوم كل منا ليعرف نفسه وربه وثقافته وتاريخه، والمصادر كثيرة ومتاحة، ولكن من يجتهد؟!
الدين ليس حكرا على المشايخ والوعاظ، وتقصيرهم ليس حجة، ولا الجهل مقبول في هذا العالم المفتوح، ونحن أقوى من الشيطان.. إن كيد الشيطان كان ضعيفا.
واقرأ أيضًا
على باب الله: فواصل... ونلتقي/ على باب الله: هكذا صار إسلامنا سببا لتخلفنا!!